Wednesday, April 25, 2007

هل اصبح السودان مستودعاً لمخلفات الدول المتقدمة؟


محمد كشان


أثار اعلان شركة "مياه أثينا" حول نقل مخلفات بشرية يونانية الى السودان الجدل الدائر حول تخلص الدول المتقدمة من نفاياتها بدون ترك آثار ضارة على بيئتها مقابل تلويث بيئات أخرى في العالم الثالث.وعبرت عدد من منظمات وجمعيات البيئة العالمية والمحلية عن قلقها من الخطوة لما تحتويه هذه النفايات من كميات كبيرة من المعادن الثقيلة المشعة والسامة،وأنها بكل بساطة تصدير مشاكل تلك الدول البيئية إلى بلاد العالم الثالث.وحال موافقة الحكومة السودانية فان شركة إيديل إيلاس اليونانية المتعاقدة مع السلطات اليونانية ستقوم بنقل هذه النفايات بحراً الى الميناء الرئيسى ببورتسودان حسبما أورد بيان شركة إيديل إيلاس التى وقعت على الصفقة مع شركة المياه اليونانية والتي تدير محطة تكرير النفايات باثينا. وقامت إيديل إيلاس فعلياً بنقل 170 ألف من المخلفات البشرية الى جزيرة "بسيتاليا" اليونانية حيث تقع محطة معالجة مياه الصرف الصحي الخاصة بالعاصمة أثينا.بعد معالجتها جزئيا، توطئةً لنقلها الى السودان الذى هو واحد من عدة حلول مؤقتة مطروحة لحل مشكلة النفايات في المدينة وذلك كحل مؤقت للمشكلة التي تعاني منها المدينة جراء تراكم هذه المخلفات،على أن تقوم شركة امريكية في السودان بمعالجة الكمية.ويشير البيان إلى أن شركة(سي بي إم سي) الأميركية التى تملك محطة تابعة للولايات المتحدة فى السودان ( محطة سي بي إم سي) ستقوم من خلال عملية المعالجة بنزع المعادن الثقيلة من النفايات وإعادة بيعها واستكمال عملية التجفيف، بينما سيستخدم الطين المتبقي في عمليات التشجير.ويصف خبراء بيئة يونانيون تلك الخطوة بأنها 'غير أخلاقية'.ونقلت صحيفة كاثيميريني اليومية عن نيكوس خارالامبيديس رئيس جماعة السلام الأخضر في اليونان قوله 'إن استخدام مخلفات الصرف الصحي كسماد في السودان بينما يحظر ذلك في اليونان يشكل مثالا صارخا على العنصرية البيئية'.ولكن الحكومة اليونانية تدافع عن العملية بشدة اذ ان قضية النفايات تشكل لها هاجساً كبيراً فى صراعها مع جمعيات البيئة والمنتقدين لخطط الحكومة البيئية.وتقول الحكومة ان العملية ستكون سليمة بيئية،كما ان تكلفة نقلها الى السودان اقل من معالجتها محلياً.اذ ان التكلفة حوالي 41 يورو لكلّ طَنِّ .وتعتمد الحكومة اليونانية الى مصادر في وكالةِ البيئة الأوروبية تقول ان الفصل فى قضية نقل النفايات هو موافقة الحكومة السودانية وليست هناك اى تشريع يمنع ذلك.لما ذا السودان؟!!!ووجه وزير البيئة والاشغال اليونانى جورجس سولفليس انتقاداً الى الصحف اليونانية بسبب "تَشويه سمعة" فكرةِ نقل النفايات الى السودان،وقال ان ذلك كان خياراً من عدة خيارات لم يتطرق الصحفيون الى اى منها سوى هذا البلد الافريقى!!. وقال سولفليس ان هذه النفايات ليست سامة واضاف ان محطة معالجة اخرى ستفتتح العام 2007 فى جزيرة بسيتاليا. الا ان صحيفة كاثيميريني نشرت فى عددها الصادر امس الاول تقريراً من جماعة السلام الأخضر البيئية اكدت فيه ان النفايات المزمع تصديرها للسودان ستؤدى إلى عواقب خطيرةِ على صحةِ الناسِ، البيئة والإقتصاد هناك.ودعا التقرير الى وقف العمليات التى تستهدف البيئة والانسان.ويقول نيكوس خرلابيذيس رئيس جماعة السلام الأخضر البيئية، إنه ليست هناك معلومات رسمية حول نسبة المواد المشعة والعضوية التي تحتوي عليها نفايات السودان، لكن القياسات السابقة أكدت وجود كميات كبيرة فوق المسموح بها للبيئة والصحة العامة والتي تعتبر ضارة جدا للصحة العامة وللبيئة معا. وأًضاف أن وزارة البيئة اليونانية لم تعط حتى الساعة معلومات رسمية حول الصفقة وترتيباتها، لكن المشكلة أن هناك غموضا كبيرا في كثير من نواحيها مشيرا إلى أن استخدام هذه المواد في السماد الزراعي ممنوع في اليونان منذ حوالي عشر سنين.ما الخطر؟!!ومع ان هناك معاهدة تحكم مسألة التصرف بمخلفات الصرف الصحي "معاهدة بايزل" التي وقعت عليها اليونان، الا ان الصفقة ماضية فى التنفيذ على الاقل من جانب اليونان.والمعاهدة التي عقدت عام 1994 طالبت الدول الغنية صراحة بإنشاء محطات للتعامل مع مخلفات الصرف الصحي ومعالجتهاوتهدف إلى منع الدول الغنية من تصدير صرفها الصحي إلى الدول الأفقر.وحسب نيكوس خرلابيذيس فإن المعاهدة "تم الالتفاف عليها ليصير بإمكان الدول الغنية تصدير صرفها الصحي إلى دول أخرى في حال موافقة تلك الدول".وأضاف خرلابيذيس أن اليونان لم تلتزم منذ توقيع المعاهدة عام 1994 ببناء الإنشاءات اللازمة للتكرير الصحي، ونتيجة لذلك فقد وصلت حالة منشأة التكرير إلى عدم القدرة على الاستيعاب.تكشف الدراسات العلمية الحديثة أن التخلص من النفايات البشرية عن طريق معالجتها هوائياً، يمكن ان يسرب المعادن الثقيلة والمشعة الموجوة فى النفايات البشرية والتى تحتاج إلى معالجة دقيقة، للصعوبة والتعقيد فى التخلص من الملوثات الإشعاعية ،كما يمنع استخدام الطين المستخرج منها في الزراعة والسماد حسب ما أوردته مجلة "مايكروبيولوجيا البيئة" الأميركية في عدد لشهر يونيو 2004. التفجيرات الامريكية النوويةخلال جلسة استماع فى الثانى مارس الماضى للجنة الفرعية للقوات الاستراتيجية بمجلس النواب الأمريكي، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكي أن واشنطون قامت بتنفيذ تفجيرات نووية في السودان خلال عامي 1962 و1970، (خلال عهدى إبراهيم عبود وجعفر نميري) وعرض مسؤول خلال الجلسة ، صوراً توضح التفجيرات النووية التي أجرتها الولايات المتحدة في السودان في عامي 1962 و1970. وقال المسؤول إن هذه الصور غير الواضحة تبين موقعاً للتجارب النووية. وأضاف بأنهم خلال العام 1962 أخذوا رأساً حربياً زنته (100) كيلوطن وقاموا بدفنه على عمق (653) قدماً تحت سطح الأرض - وهو أكثر أماكن التجارب عمقاً. ثم فجروا الرأس النووي. وتوضح الصورة أن الإشعاع لم يظل حبيساً في باطن الأرض بل انتشر وتجاوز المنطقة. وتوضح الصورة الأخرى تفجيراً ثانياً في 18 ديسمبر 1970 واستخدموا خلاله قنبلة زنتها (10) كيلوطن وهي أصغر من قنبلة هيروشيما وهذه المرة دفنت على عمق (900) قدم. وبالرغم من ذلك لم يستقر الإشعاع في باطن الأرض بل صعد الى الفضاء وكون سحابة على ارتفاع (10.000) قدم، وقد أمكن رصدها شمالي كندا. وردت واشنطن بعد صمت دام ثلاثة ايام حول التفجيرات،اذ نفت وقوع أية تفجيرات من هذا النوع، مشيرة الى وجود خطأ مطبعي أدى للالتباس.وقالت واشنطن ان التفجيرات وقعت في موقع معروف للتجارب النووية في «سيدان» بنيفادا، لكن خطأ مطبعيا وقع، بكتابة اسم السودان بدلا من سيدان.ورغم ان القضية قد اغلقت كخطأ طباعي في سجلات الكونغرس ساندته دورية «سي، كيو» الرسمية التي قامت بنشر مضابط الجلسة ،الا ان تصريحات وزير الخارجية السودانى السابق حينها مصطفى عثمان اسماعيل اخذت الامر على محمل الجد.اذ قال انه بالرغم من هذه الافادات فان الحكومة بدأت تحريات بتجميع معلومات عن التاريخين 1962ـ 1970 وكذلك تجميع معلومات عن انتشار مرض السرطان في السودان حتى نستطيع ان نستفيد من هذه الفرصة للتأكد من كثير من الشائعات التي ترددت حول هذا الموضوع».ثم ان سكان المدن المتاخمة لغربى النيل تتحدث عن وجود مصادر إشعاعية في بعض المناطق.كذلك ازدياد حالات الاصابة بالسرطان وهي زيادة غير طبيعية. قضية المبيدات التالفةوفى اواخر التسعينات كشف تقرير عن وجود 666 طنا من المبيدات الكيميائية التالفة في السودان تتوزع على 43 موقعا ويرجع عمرها إلى ما بين 15-25 سنة وبعضها يوجد في العراء تحت أشعة الشمس مباشرة وتسرب جزء منها إلى تربة المخازن والتي تجاور بعضها مناطق سكنية وسجلت العديد من حالات التسمم للإنسان والحيوان حيث تسبب هذه المبيدات المهملة في التلوث البيئي وما يترتب عليه من آثار صحية وبيئية. وأوضح التقرير أن السودان بدأ استخدام المبيدات الكيميائية منذ العام 1949 حيث استخدم مبيدات في مشروع الجزيرة لمكافحة آفة الجاسيد في محصول القطن.وأدى التوسع الأفقي والرأسي المستمر في المساحة المزروعة خلال العقود اللاحقة إلى زيادة كبيرة في الكميات المستوردة تقدر كمية واردات السودان من المبيدات بحوالي 5000 طن بقيمة قد تصل إلى حوالي 60 مليون دولار سنويا تمثل هذه الكميات حوالي 5 و10 % من واردات إفريقيا والدول العربية على التوالي (هذه التقديرات ترجع لمنتصف التسعينات وتشير التقارير اللاحقة لكميات اقل) دخول هذه الكميات الكبيرة مصحوبا بضعف البنية الأساسية في مجال التخزين وعدم وجود الإدارة السليمة وضعف التخطيط والتنسيق بين مختلف الشرائح أدى إلى تلف كميات كبيرة من هذه المبيدات.النفايات واخطارهاوإذا كانت النفايات بصفة عامة تشمل "كل المواد التي تتخلف من نشاط الإنسان، والتي لم يعد محتاجا إليها، و إنما يحتاج بدلا من ذلك إلى التخلص منها، وهي تعتبر في هذه الحالة من ملوثات البيئة إلا إذا أمكن التخلص منها بطريقة لا تترك آثارا ضارة" فإن بعض الدول المتقدمة وجدت طرقا للتخلص من نفاياتها بأنواعها المتعددة بدون ترك آثار ضارة على بيئتها وإن كانت في المقابل تقوم بتلويث بيئات أخرى تتمثل في بيئات العالم الثالث، وهو ما يعرف بتصدير النفايات من العالم المتقدم إلى العالم النامي.ومن أهم أنواع النفايات التي تقوم الدول المتقدمة بتصديرها للعالم الثالث،النفايات الصناعية ،المواد التي تلقى في البحار والنفايات البشرية ومخلفات الانسان من المصادر المختلفة والنفايات النووية.فالنفايات الصناعية تتباين تباينا كبيرا في نوعيتها ودرجة خطورتها،وتنتج معظم النفايات الصناعية من مخلفات الصناعات الكيميائية، وبعضها الآخر يأتي من مصادر معدنية وبترولية ووسائل نقل ومولدات كهربائية ومصانع الجلود والدباغة، وتحتوي النفايات الصناعية على مواد سامة مثل الأحماض والكيماويات الغير قابلة للتحلل والمعادن الثقيلة.كانت الطريقة المألوفة في التخلص من النفايات الصناعية هي تصريفها في مياه البحار والمجاري المائية أو دفنها في مدافن تحفر خصيصا لهذه العملية، ويقدر أن عدد المدافن التي تم دفن النفايات الخطرة بها في الولايات المتحدة وحدها حوالي 50 ألف موقع.اما المواد التي تلقى في البحار والنفايات البشرية ومخلفات الانسان حيث يتم تلويث مياه البحار في وقتنا الحاضر بطرق عديدة بعضها تقوم به الدول الواقعة تلك المياه في إقليمها عبر تصريف مياه المجاري والصرف الصحي في تلك المياه، ولكن هناك دور آخر تلعبه السفن والناقلات النفطية والأساطيل البحرية في تلويث مياه البحار والمحيطات، ولعل أبسط مثال على ذلك هو دور الأساطيل البحرية التي تجول في المياه الإقليمية لدول العالم الثالث والتي تساهم بشكل كبير في تلويث تلك المياه بسبب ما تستخدمه من طاقة نووية لمحركاتها وما ترميه من فضلات وما تطلقه من أبخرة خلال مناوراتها.كما تقوم بعض الدول المتقدمة بإلقاء نفاياتها في مياه الدول النامية، كما حدث أثناء فترة الحرب الأهلية في لبنان عندما أدت الفوضى التي سادت البلاد إلى تعدد السلطات في الدولة حيث خضعت بعض المواني لسيطرة الميليشيات التي استغلتها لاستيراد النفايات مقابل مبالغ مالية للاستفادة منها في تسليح نفسها. اماالنفايات النووية فمع بداية الخمسينيات من القرن الماضي بدأ استخدام الطاقة النووية يتوسع سواء في الأغراض السلمية أو العسكرية، ومن أهم المشكلات التي صاحبت هذا التوسع مشكلة التخلص من النفايات النووية، ونظرا لأن النفايات النووية لها طبيعة خاصة تتمثل في عدم اختفاء آثارها السلبية على البيئة وصحة الإنسان حتى مع دفنها في مسافات عميقة تحت سطح الأرض.بناء على ذلك يبدو من الواضح أن سعي الدول المتقدمة لدفن نفاياتها النووية في أراضي دول العالم الثالث يعد جريمة بحد ذاته، ولعل أقرب مثال على ذلك هو فضيحة قيام الحكومة الأمريكية بدفن نفاياتها النووية المتمثلة في اليورانيوم المنضب في أراضي الخليج العربي خلال فترة حرب الخليج الثانية وما بعدها، الأمر الذي يجعل المنطقة بأكملها ملوثة بالنفايات النووية لمدة لا تقل عن نصف مليون سنة قادمة.وفي نفس الإطار قامت مجلة (ايكونوميست) بنشر تقريرا عام 1992 تقول فيه بأن الفائدة الاقتصادية ونقل النفايات الملوثة إلى العالم الثالث لها ثلاثة مبررات:* من الأفضل تلويث البلدان التي تدفع أجورا زهيدة لموظفيها وعمالها لأن تكاليف حماية البيئة والمحيط فيها تصبح أيضا متدنية.* من الأفضل تلويث المناطق التي لم يطالها التلوث لأن ذلك يكلف أقل من البداية.* من الأفضل تلويث المناطق ذات المستوى الحياتي المتدني، حيث للسكان مشاكل أخرى.وما تنادي به المجلة هو نفس ما يطرحه تقرير الصناعة والتنمية الذي نشرته الأمم المتحدة من أجل التنمية الصناعية سنة 1990 والذي يشير إلى أن مشكلة تصدير التلوث للعالم الثالث متمثلا في الصناعات والنفايات الخاصة بالدول المتقدمة هو مشكلة خطيرة خصوصا في ميدان المنتجات الخطرة، فالعديد من صناعيي البلدان المتطورة الذين اصطدموا في بلدانهم بتنظيمات البيئة رأوا أن من مصلحتهم نقل المصانع المنتجة للمواد الخطرة والنفايات التي لا تقل خطورة عنها إلى حيث المضايقات أقل قسوة والرقابة شبه غائبة وحياة الإنسان - في نظرهم- أقل قيمة في العالم الثالث.

No comments: