Sunday, November 4, 2007

أطفال الايدز .. كلاكيت ثانى


محمد كشان
كثير من الإشارات كانت تدل علي أن قضية تهريب الأطفال الأفارقة من تشاد، إلى أوروبا، هي في المقام الأول قضية سياسية أكثر منها إنسانية، والإشارة الأقرب إلى الحقيقة كانت توضح ان المجموعة التي كانت تنوى منظمة (ارش دو زوي) الفرنسية “تهريبها” إلى فرنسا، لم يكونوا من دارفور، وإنما هم مزيج من لاجئي المناطق الحدودية التشادية مع دارفور ذات الاختلاط العرقي المتداخل والأنساب المتقاربة، بل وحتى المدن متشابهة الأسماء والصفات، يجمعهم الماء والكلأ وتفرقهم الحروب والصراعات والطبيعة الجغرافية القاسية.والجانب السياسي الانسانى في القضية أفرزته أزمة دارفور وربما من قبل مذابح رواندا في إفريقيا التي راح ضحيتها عدد مقدر من الأطفال، ومن ثم مذابح سربنيتشا في البوسنة، وقبل كل هذا محرقة النازيين لليهود في ألمانيا وفرنسا، وسائر دول أوروبا.ومعظم المنظمات الإنسانية العاملة في مجال الطفولة والأمومة تستند على ان الأطفال هم الضحايا الحقيقيين للحروب والنزاعات التي يقودها الكبار، وتقبع في أرشيف تلك المنظمات الإنسانية الآلاف من الصور والبيانات التي تقدر عدد الأطفال المفقودين في فترة الحكم النازي لألمانيا وأوروبا بأكثر من مليونيي طفل تقريباً، قتل نصفهم، واُستغل النصف الأخر في أعمال السخرة وغيرها. وفى نهاية الثلاثينيات نفذت الجمعيات الانسانية اكبر عملية نقل لأطفال، أتت بالآلاف من اللاجئين اليهود الصغار إلى بريطانيا وفرنسا هربًا من ألمانيا النازية، وتشهد إلى اليوم قرية “لوشامبون ، على تلك الفترة من الحكم النازي، وما عرف بمحرقة النازية (الهولوكوست).فإبادة أطفال اليهود في تلك الفترة، وتشبيه جمعياتهم الموجودة حاليا في الولايات المتحدة لما يجرى في دارفور وشرق تشاد بالـ (الهولوكوست)، هو الدافع الرئيسي لـ (ارش دو زوي) وغيرها من المنظمات ذات الارتباط اليهودي في إعادة توطين الأطفال سواء أن كانوا من دارفور أو تشاد ، فالمهم عند هذه المنظمات هو (إخراجهم) من تلك (المحرقة)، وفى الغالب ان المنظمة جمعت أموالاً من يهود في بلجيكا وفرنسا على أساس إنقاذ الأطفال الـ 103. والمتابع لتغطية وسائل الإعلام للقضية يجدها في الغالب تحفظت على تحديد كلمة مهمة، بعض تلك الوسائل دونتها بـ تهريب، اختطاف، ترحيل، و البعض بـ إنقاذ، إعادة توطين، إجلاء، وبعيدا عن المهنية الإعلامية التي تتطلب النقل وليس الوصف، فإن العملية في مجملها لا تخلو من مناورة سياسية تشادية، أو ربما ذات ارتباط بعلاقة فرنسا ودورها في تشاد التي لن تجرؤ على معادة باريس أو الدخول معها في معترك كهذا، وهى الحليف العسكري الأول لباريس، وكل من، دبي وساركوزى في غنى تام عن اى توتر في المنطقة.وبالأمس قال مستشار لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ان الأطفال موضوع القضية “معظمهم تشاديون لاباء تشاديين وليسوا من يتامى دارفور”، ولكن (ارش دو زوي) تقول ان زعماء القبائل في المنطقة الحدودية أكدوا لها ان هؤلاء الأطفال يتامى من دارفور، مما يرجح تورط تشاديين في كسب أموال من تجميع الأطفال من مناطق مختلفة وتسليمهم إلى المنظمة التي ستُبرأ ذمتها في هذه الحالة كونها ليست على دراية بأجناس المنطقة ولهجاتها، فهي تهتم بالدرجة الأولى بإيواء أطفال الحروب وتوفير الحماية العاجلة لهم، أو إعادة توطينهم في مجتمعات أخرى بعيداً عن استغلالهم أو الاتجار، وتساؤلات الرئيس التشادي إدريس دبي عن محاولة “بيعهم أو قتلهم ونزع أعضائهم”، تأتى من باب إثارة الحس الانسانى في القضية والمبالغة فيها.وبالطبع لا تمانع فرنسا ودولاً أخرى في عملية تبنى الأطفال وفق قانون يدعو إلى إتباع الوسائل القانونية في التبني ، وحقهم في العودة متى شاءوا إلى وطنهم الأم، وتختلف قوانين كل دولة عن الأخرى ولكنها تتفق في عدم الاتجار بالأطفال أو الإساءة إليهم، وهو إذا ما ثبت في قضية (ارش دو زوي)، فان القضاء التشادي تعهد بمعاقبة الأوروبيون الـ 16 وسجنهم، هذا ما سيجعل القضية مرشحة للتطور والتداول طيلة السنوات القادمة، على غرار ما جرى في قضية (أطفال الايدز الليبيين) المعروفة

عملية أبيشى .. إجلاء إنساني، أم تهريب أطفال ؟


محمد كشان

في سابقة هي الأولى من نوعها، أحبطت الحكومة التشادية محاولة منظمة فرنسية غير حكومية تهريب أكثر من مائة طفل من إقليم دارفور لأجل إعادة توطينهم وضمهم بالتبني لعائلات فرنسية مقابل أموال طائلة دفعتها تلك العائلات في خطوة أثارت انتقاد وسائل الإعلام والجمعيات الحقوقية، وخلقت أزمة دبلوماسية جعلت من وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير ينوى التوجه إلى أنجمينا برفقة مسؤولة حقوق الإنسان في وزارته رحمة ياد التي زارت دارفور مؤخراً.وليست هي المرة الأولى التي يتم فيها إعادة توطين أطفال سودانيين خارج بلادهم، فالآلاف ممن عرفوا ( بالصبية الضائعين) يعيشون الان في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أُعيد توطينهم في العام 2001 من معسكرات النازحين في جنوب السودان، لكن هذه المرة ثارت شكوك حول نوايا المنظمة التي أُتهمت بالتورط في تهريبهم.وكانت السلطات التشادية أوقفت الخميس الماضي في مطار مدينة أبيشي المتاخمة لدارفور تسعة فرنسيين من منظمة “لارش دي زو”، اتهموا بمحاولة تهريب 103 أطفال تتراوح أعمارهم بين عام وتسعة أعوام كانوا في مخيمات النازحين واللاجئين في دارفور وشرق تشاد.والمنظمة المعنية هي مجموعة فرنسية غير حكومية أعلنت في وقت سابق من العام الجاري اعتزامها جلب أطفال أيتام من السودان لتبنيهم من قبل عائلات فرنسية، غير أنها لم توضح حينها طريقة ترحيلهم إلى فرنسا.وقامت المنظمة بإحضار الأطفال الـ 103 إلى مدينة “أبيشي” حيث كانت تعتزم ترحيلهم جوا إلى أحد المطارات القريبة من العاصمة الفرنسية باريس، لكن السلطات التشادية أوقفت العملية وألقت القبض على الفرنسيين التسعة، وأودعت الأطفال مركزا للإيواء لحين التعرف على المناطق التي أحضروا منها.وتم إحباط العملية عندما اكتشفت دورية تشادية أن هناك أطفالا يجري تجميعهم قرب قاعدة جوية بمدينة “ أبيشي”، وأن المسئولين الفرنسيين المرافقين للأطفال لا يحملون وثائق رسمية تخول لهم إخراج الأطفال من تشاد، وأن الأوراق التي يملكونها تخول لهم فقط الرعاية الصحية للأطفال قرب مركز المنظمة في المنطقة.وبالرغم من ادعاء المنظمة الفرنسية أن كل الأطفال أيتام، فإن مسئولا في إحدى المنظمات الخيرية الفرنسية العاملة في السودان نفى الأمر مؤكدا أن غالبية الأطفال الذين حملوا إلى تشاد لنقلهم إلى فرنسا لهم آباء وليسوا بأيتام.من جانبها قالت سفيرة فرنسا في الخرطوم كريستين روبيشون لوكالة فرانس برس أنها أعربت عن “إدانة باريس الشديدة لتلك العملية غير الشرعية”، وقالت بعد محادثات مع وكيل وزارة الخارجية د. مطرف صديق “رُفعت قضية في فرنسا وتشاد وسيحاكم الأشخاص الذين خططوا لتلك العملية”.من جانبه شكر وزير الداخلية الزبير بشير طه تشاد على إحباط عملية نقل أولئك الأطفال إلى فرنسا،واعتقال أعضاء المنظمة الفرنسية.وفى السياق طالب مجلس الوزراء الاتحادي وزارة الرعاية بتقديم تقرير مفصل ومتكامل للمعالجات والإجراءات التي اتخذتها أجهزة الدولة حيال محاولة ترحيل الأطفال ، وقدمت وزيرة الرعاية سامية احمد محمد للمجلس تنويرا حول العملية، فيما وجه وزير العدل محمد على المرضى بفتح بلاغ جنائي بتهمة الاختطاف ضد المنظمة الفرنسية، في وقت أبدى وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير استعداده للتوجه “في أقرب وقت ممكن” إلى تشاد للتباحث مع سلطات هذا البلد حول عواقب متاجرة مفترضة بأطفال دارفور من قبل منظمة “لارش دي زو”.وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان نشرته أمس في باريس أن كوشنير أكد للرئيس التشادي إدريس دبي في اتصال هاتفي معه استعداده واستعداد وزير الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان راما ياد للتوجه إلى أنجامينا. وأكد البيان أن “الوزير عبر كذلك للرئيس دبي عن تضامنه مع الأطفال المعنيين بهذه العملية وكذلك مع الشعب التشادي وسلطات البلاد” موضحا من جهة أخرى أنه تم تشكيل خلية أزمة في باريس حول هذه القضية وتابعت وزارة الخارجية أن “هذه الخلية تهدف لضمان متابعة مستمرة للعواقب الإنسانية للعملية التي قامت بها منظمة “لارش دي زو”.وكشفت الوزارة في تطرقها إلى مصير مسؤولي هذه المنظمة الفرنسية غير الحكومية الذين تم وضعهم منذ الخميس الماضي رهن الحبس في ذمة التحقيق في أبيشى. وأشار البيان كذلك إلى أن “قنصل فرنسا في تشاد توجه منذ الجمعة الماضي إلى أبيشى بهدف تأمين الحماية القنصلية لرعايانا المعتقلين هناك في إطار هذه القضية”. من جانبها نددت راما ياد وزيرة الدولة الفرنسية المعنية بملف حقوق الإنسان بوزارة الخارجية بما اعتزمت “لارش دي زو” القيام به ووصفته بأنه “غير قانوني وغير مسئول” مشددة على أن “مسئولي هذه المنظمة يجب أن يخضعوا للتحقيق”.ولايزال الغموض يلف القضية، فبينما تقول المنظمة ان أطفال دارفور في حاجة إلى الحماية العاجلة، ترى منظمات إنسانية أخرى ان “لارش دي زو” متورطة فى عملية اتجار وتهريب للاطفال.وتبث “لارش دي زو” حاليا في الصفحة الرئيسية بموقعها على الإنترنت شريطا وثائقيا تحت عنوان “طفل يموت كل خمس دقائق في دارفور”، وتحت عنوان “عملية إجلاء أيتام دارفور” تتبنى المنظمة بشكل علني برنامجا لجلب أطفال دارفور “الأيتام” إلى فرنسا مستندة بذلك إلى “حق اللجوء” والقوانين الدولية المتعلقة بحماية الأطفال.ويرى محللون ان الأزمة التي صنعتها “لارش دي زو” ربما تؤدى بمزيد من التوتر في العلاقات الهادئة بين تشاد أنجامينا وباريس، بينما يستبعد أوساط عليمة بالعلاقات الفرنسية التشادية ان تشاد ما كانت ستقبل على إفشال العملية لولا وجود ضوء أخضر من باريس لتوقيف الفرنسيين التسعة.ومن جانبها وصفت وسائل الإعلام الفرنسية في رصدها لحالة البلبلة في أوساط المنظمات غير الحكومية هذه العملية “الإنسانية” “بالعملية المحرجة ذات العواقب الدبلوماسية الخطيرة”.وخصصت الصحافة الفرنسية في أعدادها الصادرة أمس الأول مساحات كبيرة لتهمة المتاجرة بأطفال دارفور الموجهة إلى “لارش دي زو”.وقالت صحيفة “لوموند” تحت عنوان “إعتقال عشرة فرنسيين في تشاد يشتبه في تورطهم في تجارة بأطفال دارفور” إن قرابة 300 أسرة دفعت حتى الآن ما بين 2800 و 6000 يورو للحصول على أطفال من دارفور يتم نقلهم من تشاد تحت غطاء عملية إنسانية.وأكدت “لوموند” أن منظمة “سفينة زووي” قامت بتعبئة مطعم متنقل وفريق طبي وحتى موسيقيين لترفيه الأطفال”.وتابعت “لوموند” منددة بالأسر التي أختيرت في فرنسا لاستقبال هؤلاء الأطفال أن “دافع هذه الأسر بسيط وهو إنقاذ هؤلاء الأطفال من خلال إستقبالهم لمدة غير محددة. إن الأمر يتعلق حسب رأيها بإجلاء عاجل. مسألة حياة أو موت. أما الباقي فهو ثانوي”.ومن جانبها رأت صحيفة “ليبيراسيون” أن العملية التي دبرتها هذه المنظمة الفرنسية غير الحكومية تشبه “ملحمةغريبة” تقوم على “الغموض والتعتيم حول أطفال تشاد”. وكتبت الصحيفة تقول “لقد كادت جمعية زووي أن تصحبمعها الخميس الماضي 103 طفل على متن طائرة بوينغ 757 نحو فرنسا حيث كانت تنتظرهم بعض الأسر لإستقبالهم. غير أن السلطات التشادية وضعت حدا لعملية الإجلاء هذه ذات ملامح المتاجرة بالأطفال”. وكشفت “ليبيراسون التي أكدت عدم إنسجام موقف الحكومة الفرنسية أن الجيش الفرنسي قام عدة مرات بنقل هذه المنظمة غير الحكومية المتهمة بين أنجامينا وأبيشي التي كان يفترض أن يقلع منها أطفال دارفور نحو فرنسا.وأوضحت “ليبيراسيون” التي لم تقتنع بالخطاب الرسمي لباريس أن “الملامح المشبوهة لناشطي هذه المنظمة غير الحكومية الذين كان معظمهم يرتدي بزة رجال إطفاء كان من المفترض أن تثير شكوك السفارة الفرنسية أو العسكريين الفرنسيين الذين يتباهون بأنه لا يخفى عنهم شيء مما يحدث في تشاد، والشيء نفسه ينطبق على الطائرات التي نقلت الأطفال من أدريه إلى أبيشي”.ومن جانبها نقلت “لوباريزيان” عن الرئيس التشادي قوله عن مسؤولي هذه المنظمة غير الحكومية “سيتم تسليطعقوبات صارمة ضدهم”، ونشرت هذه الصحيفة التي ركزت على تحليل شخصية مسؤولي جمعية “سفينة زووي” صورة عن رئيسها إيريك بريتو الذي قدمته على أنه “رجل إطفاء سابق” أراد أن يأتي بآلاف الأطفال إلى فرنسا.وتابعت “لوباريزيان” تقول “لقد تم أمس في مركز النجدة في أرجونتوي (فال دواز بفرنسا) حيث سبق وأن عمل إيريكبريتو لمدة طويلة رجل إطفاء متطوع إعطاء أوامر بلزوم الصمت. أما في إدارة نوفيل سورواز الجهوية لقسم الإطفاء حيث كان يعمل منذ 2005 وحيث يستشف إحساس بالإحراج والإشمئزاز فقد تم الإكتفاء أيضا بالقول إنه كان من رجال الأعضاء المتطوعين للقسم”.وإعتبرت بدورها صحيفة “لومانيتي” ذات التوجه الإشتراكي تحت عنوان “جدل حول عملية إنسانية” أن “حرب المنظمات غير الحكومية ليست غريبة عن عملية أبيشي التي كانت تسعى لإجلاء “10 آلاف طفل من دارفور” نحو أوروبا والولايات المتحدة.وترى الصحيفة التي تساءلت “هل هو إستخفاف أم إنعدام للمسؤولية أم تلاعب؟” أن جمعية “سفينة زووي” إرتكبت من “الأخطاء ما يثير حولها شكوك “بالإرتزاق من النشاط الإنساني و”غياب الضمير”.ونقلت جريدة “لوفيجارو” الفرنسية الصادرة أمس الاول عن مسئول تشادي بمدينة أبيتشي: قوله إن خطف الأطفال بهذه الطريقة سيجلب السخط على المنظمات الإنسانية؛ حيث إن خاطفي الأطفال سيتهمون بأنهم ينزعون أطفالا مسلمين من بيئتهم الإسلامية ونقلهم إلى بيئة مسيحية. وأوضح المسئول التشادي قوله: “إن الدين له مكانة حساسة بين السكان في المنطقة”، دون أن يستبعد أن تكون “المنظمات الخيرية هدفا لعمليات انتقامية من منظمات إسلامية”