Tuesday, September 23, 2008

المواطنون تحت رحمة الانقطاع العشوائي للكهرباء

http://alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/ContentID/16467/Default.aspx

الخرطوم: محمد كشان
استبشر المواطنون خيرا بعد اعلان الهيئة القومية للكهرباء استقرار امداد التيار الكهربائى، وعدم وجود قطوعات نهائيا خلال شهر رمضان الحالي، لكن وقبل أن يمضي علي بداية الشهر الكريم ساعات حتى تفاجأ الناس بتضاعف القطوعات وبصورة متكررة وعشوائية حسب افادات المواطنين الذين استطلعتهم (الأحداث) خلال جولة لها في بعض أحياء العاصمة.
وحسب ما جاء في الافادات فأن قطوعات الكهرباء لم تستثني أحدا، وحتي في المناطق التي شهدت استقرارا نسبيا في امداد الكهرباء، كانت القطوعات مبرمجة ليوم في الاسبوع وفي بعض المناطق يومان، تغيب عنها الكهرباء منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الخامسة بعد الظهر.
وكان المدير العام للهيئة القومية للكهرباء المهندس مكاوى محمد عوض بشر المواطنين باستقرار التيار الكهربائي طيلة شهر رمضان، مناشدا المؤسسات الحكومية بترشيد الاستهلاك خلال ساعات العمل الرسمية.
لكن الأستطلاعات التي أجرتها (الأحداث) أكدت على وجود قطوعات مبرمجة وغير مبرمجة (عشوائية) ، وخلال فترات مختلفة ليلاً ونهارا، الأمر الذي دفع بعدد من المواطنين للتفكير بجدية في الاستغناء عن خدمات الهيئة القومية للكهرباء والاعتماد عي المولدات الكهربائية، خاصة ان المواطن في كل الحالات يدفع لشراء الكهرباء او المولدات.
وطالت القطوعات المتكررة والمتذبذبة أحياء ام درمان والثورات والعباسية وسوق ام درمان والسوق الشعبي والفتيحاب والمربعات، وفي الخرطوم والخرطوم بحري وأحياء الكلاكلات والشجرة والعزوزاب والحلة الجديدة وجبرة والصحافة والحاج يوسف.
واشتكي المواطنون في هذه الاحياء بانهم أصبحوا (تحت رحمة) ادارة الكهرباء، فلا يستطيع احد ان يبدأ عمل ما، أو مشاهدة التلفاز أو غيره دون ان يضع في حسابه انقطاع التيار الكهرباء في اى لحظة.
وحتي نحن في هذه الصحيفة وغيرها من الصحف والمؤسسات التي تعتمد في عملها على أجهزة الكمبيوتر نتأثر كثيرا بقطوعات الكهرباء، ولولا امتلاك هذه المؤسسات لمولدات كهربائية لتعطل عملها تماما، لكن الضرر يلحق بأجهزة الكمبيوتر جراء هذه القطوعات المتكررة والعشوائية، وعند عودة التيار الكهربائي كثيرا ما نفاجأ بضياع نظام التشغيل، وبالتالي ضياع كل ما يحتويه جهاز الكمبيوتر من ملفات وصور ومواد ارشيفية يرجع تأريخها لسنوات، وتضيع في ثانية من الزمن.
قطوعات عشوائية
يؤكد الاستاذ أحمد بشير أحمد (للأحداث) وهو محامي يسكن أم بدة الحارة الثانية انه بالفعل أشترى مولدا كهربائيا منذ بداية هذا الشهر ولم يعد يُعير الكهرباء العامة اهتماما سواء ان (جات ولا ما جات) وحسب تعبيره (كهربتو بقت في يدو). ولم ينكر أحمد استخدامه للكهرباء العامة، لكنه قال انه يعتمد كثيرا على كهرباء مُولده الخاص به، وآخر مرة اشتري كهرباء الدفع المقدم كانت قبل شهر ونصف.
اما المهندس وليد عبدالله محمد وهو من سكان بري فقال ان قطوعات الكهرباء أصبحت يومية وبصورة مزعجة وتدفع بالمواطن الى السب واللعن في هذا الشهر الكريم، والثلاثاء الماضي انقطع التيار الكهربائي عن منطقة سكنه منذ الساعة العاشرة صباحا ولم يُعد حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، لينقطع بعد نصف ساعة فقط ليعود بعد 3 ساعات، وفي اليوم التالي انقطع الامداد الكهربائي ايضا في الفترة المسائية لمدة تجاوزت الساعتين.
ويحكي وليد انه ذهب الثلاثاء نفسه لتلبية دعوة للافطار في الكلاكلة القبة، حيث تكثر دعوات الافطار في هذا الشهر المعظم، ويضيف وليد ما أن حانت ساعة الافطار وبدأ الموجودين بتناول حبات التمر حتي انقطع التيار عن المنطقة باكملها، ولم يرجع حتي صلاة التروايح.
اما في منطقة الكلاكلة أبوآدم فهناك وجه آخر للمعاناة، فهذه الكلاكلة تعاني من القطوعات المستمرة للكهرباء طيلة حولين كاملين، وحسب المواطن مرتضى ابراهيم فان المنطقة ظلت طيلة العامين الماضيين تعاني من قطوعات مستمرة للكهرباء، وازدادت هذه القطوعات خلال شهر رمضان الحالي، وينقطع التيار الكهربائي منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة أو السادسة بعد الظهر !!. وأحيانا يتم القطع في أثناء ساعات الليل ويطال الانقطاع المدراس والمراكز الصحية والمساجد وبالطبع البيوت السكنية.
كهرباء الجحيم
أما في منطقة ام بدة فقطوعات الكهرباء تجاوزت حدا لا يطاق حسب تصريحات الأهالي الذين استطلعتهم (الأحداث). وقالت علوية جار النبي وهي معلمة في مرحلة الأساس ان قطوعات الكهرباء في منطقتها (الحارة الأولي) اصبحت كابوسا مرعبا ومزعجا أحال حياتها هي وابنها الي "حجيم" . وتضيف علوية انها لم تعد قادرة علي الثقة في مؤسسة حيوية وهامة كالهيئة العامة للكهرباء، فأبنها مصاب بامراض الربو الشعبي (الأزمة) والسكري، ولا يستطيع ان يعيش من غير تهوية جيدة، والادوية التي يستعملها لا تستطيع أن تصمد امام لهيب هذا الصيف الحار، هذا غير فساد الأطعمة واللحوم، وتوقف الثلاجات نتيجة لتذبذب التيار الكهربائي وانقطاعه وعودته لاكثر بصورة مزعجة ومتكررة، ما زاد من الأعباء المعيشية لهذه الاسرة من طبخ وشراء للخضروات بشكل يومي.
العترة بتصلح المشية
المواطن محمد دهب وهو صاحب ثلاجة فواكه بالسوق الشعبي أم درمان فقال انه أسس منذ شهرين ثلاجة حديثة لحفظ الفواكه بمواصفات عالمية، ولم يضع في حسبانه هذا الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وبلغت خسارته الاسبوع الماضي 5 مليون جنيه، عبارة عن فواكه لا تحتمل انقطاع الكهرباء، وجدت طريقها الي الزبالة، ما تسبب في هذه الخسارة، ولكن دهب يقول (العترة بتصلح المشية)، واشتري دهب مولدا كهربائيا بمبلغ 4 مليون جنيه، هذا غير ما ينفقه على المُولد يوميا من الوقود.
ويرى بعض المواطنين في أحياء الخرطوم الشعبية ان الهيئة القومية للكهرباء تمايز بينهم وآخرين في الامداد الكهربائي، وبينما تشهد بعض أحياء الخرطوم استقرارا نسبيا في الامداد، تعاني مناطق اخري من القطوعات المتكررة واليومية، بالرغم من ان المناطق الشعبية كالفتيحاب والحاج يوسف وام بدة تستهلك معدلا اقل من الكهرباء، وحسب استبيان عشوائي قامت به (الأحداث) بين كل 10 أُسر في منطقة الفتيحاب مربع 3، توجد أُسرتان فقط تستخدم مكيفات الهواء، و4 أُسر تستخدم المكواة الكهربائية بشكل يومي، بينما ارتفعت النسبة الي 100% في حي الرياض الراقي وسط الخرطوم.

حقوق الانسان أولاً
يصف الناشط في حقوق الانسان د.محمد حمزة ما تقوم به الهيئة القومية للكهرباء من قطوعات متكررة ومزعجة وعشوائية بانه امتهان لكرامة الانسان وادميته، ويطالب حمزة هيئة الكهرباء باحترام الانسان السوداني وانتهاج طريقة حضارية، اما بتوفير الكهرباء، أو ابلاغه عبر الصحف اليومية بوجود قطوعات مبرمجة حتي يهيئ نفسه لهذه القطوعات أو يبحث عن بديل للكهرباء العامة، ويتفق حمزة مع القطوعات المبررة للتيار الكهربائي والتي تتسبب فيها عوامل الطبيعة والأمطار، وان كان هذا يدل علي قصور في البنية التحتية للتنمية المتمثلة في تشييد خطوط وابراج كهرباء تتحمل الظروف الطبيعية.
ويشير حمزة الى ان الكهرباء من الخدمات التى يجب ان تقدمها الدولة لشعبها، واذا لم تستطع دولة ما تقديم خدمة أساسية كالكهرباء، فتدخل في تصنيف الدول الفاشلة، وهي الدولة الغير قادرة علي توفير الحماية والرفاهية لشعبها.
المُولدات .. الحل المؤقت
اتجهت عدد من المؤسسات والمستشفيات والمراكز التجارية والمدارس لامتلاك مُولد كهربائي ذو طاقة تشغيلية عالية تغطي حاجة المؤسسة من الاستهلاك اليومي للكهرباء أثناء انقطاعها، وكانت ظاهرة المُولدات تنتشر فقط في المجمعات والوحدات السكنية الراقية، والشركات الكبيرة ، لكنها وجدت طريقها لاحياء المدن الشعبية وأسواقها، وذلك لانخفاض أسعارها ، ودخول المولدات الصينية الي سوق المنافسة، وأصبح في مقدور الأسر متوسطة الدخل اقتناء مُولد كهربائي (جنريتر) بأقل تكلفة، وبات من الشائع سماع أصوات هذه المُولدات وهي تدور في الاحياء والاسواق الشعبية والطرفية.
يقول علي بابكر يوسف مدير أعمال محمد الصادق الشريف المليح لتجارة مُولدات الكهرباء في ام درمان، أن دخول المُولدات الصينية الي الأسواق أسهم كثيرا في خفض أسعارها، وجعل الناس تُقبل على شرائها خاصة بعد القطوعات المتواصلة هذه الايام ، ويوجد نوعان من هذه المُولدات، الأول ذات تبريد هوائي ، والآخر تبريد مائي، ويصل سعر المُولد الصغير (6 حصان) الي 200 الف جنيه (بالقديم). ويشير علي بابكر الى ان هذا النوع من المُولدات يستطيع ان يعمل لـ 6 ساعات متواصلة، ويمكنه تشغيل لمبات الاضاءة والمرواح وثلاجة صغيرة ، اما المولد سعة 8 حصان فيمكنه تشغيل ثلاجة وتلفزيون ومكيف ماء صغير ويصل سعره الي حوالي 600 الف، ويشير بابكر الي أن هذا النوع من المولدات يمكن أن يُوضع علي البلكونة أو خارج الغرفة دون أن يسمع له صوت.
وعن زبائنه يقول بابكر ان معظمهم من مناطق الاسواق في الخرطوم وأم درمان، والريف الشمالي والجموعية، ويلاحظ علي بابكر اقبال مواطنين من العاصمة لشراء المولدات الصغيرة، لأن سعرها قليل واسبيراتها متوفرة وأعطالها قليلة، ويحتاج فقط للمتابعة وعدم استخدامه لساعات طوال بصورة متواصلة.
اما عادل عبدالله من أعمال البرعي لبيع الاسبيرات والمُولدات فيقول ان معظم المؤسسات الصغيرة والعمارات السكنية اتجهت اخيرا لشراء المُولدات الكبيرة كاتمة الصوت، ويستطيع هذا النوع ان يغطي كافة الاستخدامات اليومية للكهرباء وأسعاره في متناول الجميع.
وعن المولدات الصغيرة يقول عادل ان المُولد يستهلك 1 جالون وقود ليعمل فترة 6 ساعات متواصلة خلال اليوم، لكن يُفضل عادل تشغيله بين 4 – 6 ساعات متواصلة، مع الصيانة الدورية لحمايته من الأعطال والتوقف، اما مولد التبريد المائي فيعمل بكفاءة طيلة 24 ساعة ويستطيع ان يغطي كل حاجة المنزل من الاستهلاك الكهربائي ومن عيوبه علو الصوت.
كهرباء صديقة للبيئة
لكن خبير بيئي استطلعته (الأحداث) عن تأثير استخدام المُولدات علي البيئة قال ان الدخان والحرارة المتصاعدة من هذه المُولدات يمكن ان تتسبب في ظاهرة احتباس حراري اذا لجأ كل الناس الي استعمال المُولدات بصورة يومية ، واشار الهادي نور الدين الى ان هناك بعض الحلول ابتكرها الناس للتقليل من انبعاثات الغازات والدخان تتمثل في ابعاد المُولد عن موقع السكن ، او تغطية العادم لمنع الدخان، أو وضعه داخل حفرة علي الأرض لتقليل الصوت ومنع انتشار الدخان.
وينادي الهادي بأهمية توفير الطاقة الكهربائية من مساقط المياه والسدود باعتبارها كهرباء آمنة ونظيفة، عكس الكهرباء التي يتم توليدها من محطات الديزل الحرارية الكبيرة.
هروب صغار المستثمرين
يبين مسلسل قطوعات الكهرباء وجها آخر للمأساة يحكيها لنا هنا مستثمر مصري اسمه لطفي، وهذا المستثمر جاء الي السودان بعد ان سمع بأن (ربنا فتحها علي السودانيين) ولكنه فوجئ بآخرون يحولون بينهم، وهذا الفتح الكريم.
أنشأ لطفي مصنعا صغيرا لتقطيع الرخام ومعالجته، ويقع هذا المصنع في منطقة سوبا بالخرطوم، وكان لزاما عليه استخدام الكهرباء العامة، لان معدات تقطيع الرخام تستهلك قدرا أعلي من الكهرباء، لكن قطوعات الكهرباء المتكررة أفلست شقيقنا المصري لطفي، ويفكر الان بالبحث عن مكان آخر لينقل له المصنع أو مغادرة السودان لانه كما يقول "في مصر كل دقيقة بثمنها" ولا يستطيع ان يهدر مزيدا من الوقت علي السراب !!.
ومعلوم ان الكهرباء واستقرارها تعد مؤشرا قويا من مؤشرات التنمية والجذب الاستثماري، ويعول القطاع الصناعي كثيرا علي دخول كهرباء سد مروي للشبكة القومية بحلول أكتوبر 2008 ، اذ ان مشروع كهرباء سد مروي سينتج 1200 ميقاواط ، وبحلول 2012 سيتضاعف انتاج مشروع كهرباء الروصيرص الي مقدار 50% من الطاقة المُنتجة حاليا بعد الانتهاء من مشروع تعلية الخزان ، ولكن حتي تلك السنوات ما هي الحلول المناسبة التي ستتبعها الهيئة القومية لكهرباء لسد العجز في التوليد، وتلافي أعطال الخطوط الناقلة للكهرباء !!؟ هل ستفتح الدولة باب الاستثمار في الكهرباء وفك احتكارها، أم ان الكهرباء خط ضغط عالي غير قابل للتفاوض وطرحه للشركات المستثمرة !!؟ ، لماذا لا تكون هناك أكثر من شركة كهرباء مثلما هناك أكثر من شركة اتصالات، وأكثر من شركة نفط !!؟ ولماذا لا تفعل الحكومة مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان الذى أعلنته مصر ضمن مشروع استثمار الطاقة بين دول حوض النيل !!
الشكية لغير الله مزلة
قابلت الأثنين الماضي عند مدخل هذه الصحيفة مواطنا سودانيا جاء يشتكي من القطوعات المتكررة للكهرباء وقال لى (الكهرباء دي نحن بنشتريها بقروشنا وبرضو ما لاقينها) .. هذا المواطن يمتلك ورشة حدادة في منطقة حلة كوكو وحسب قوله ان تذبذب امداد التيار الكهربائي وانقطاعه تسبب في خسارة فادحة وتحول هذا المواطن الصالح الي عاطل في فترات النهار ، وعامل في الليل، اذ يبدأ عمله بالورشة من الساعة 12 ليلا وحتى الساعات الأولي من الصباح ، بعد أن يضمن استقرار التيار الكهربائي، قال لي هذا المواطن: (يعني نحن نشتكي لي منو) فقلت له: الشكية لغير الله مزلة، واذا أردت أن تزل نفسك فاذهب واشتكي، ربما تجد اذانا صاغية، وربما لا .. المهم اذهب واشتكي .. الحكومة يشتكونها في المحامي العام، أو ربما المحكمة الدستورية .. المهم أذهب ولا تيأس، قال لي (انا جيت أشتكي لجريدتكم دي) .. قلت له هذا ليس محل شكاوى، لكن لا عليك ، انا وانت سنشتكي ، اذهب انت واشتكي أولا ربما تجد لك اذانا صاغية !!.

مسجد فاروق .. عمارة المملوكيين والفاطميين في السودان

http://alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/ContentID/16465/Default.aspx

محمد كشان

يُعد مسجد فاروق ، الذي تغيّر اسمه الى مسجد أرباب العقائد، من أروع نماذج العمارة الاسلامية في السودان، ويرجع تاريخه الى أربعينات القرن الماضي، حين أعاد الملك فاروق ، آخر ملوك مصر، بناءه في مكان مسجد وخلوة الشيخ أرباب العقائد، أشهر رجال الدين والفقه في فترة ما قبل المهدية، ومر مسجد أرباب العقائد بمراحل متعددة منذ أن كان خلوة صغيرة، الى أن صار تحفة معمارية رائعة يندر وجودها بين مساجد السودان.
وكان المسجد مبنيا في فترته الأولي من القش والطين والبوص، وعند دخول الامام المهدي الخرطوم ، صلى أول جمعة له بالخرطوم بمسجد أرباب العقائد، وبعد ان انتقل المهدي الى أم درمان، أُعيد بناء المسجد مرة اخرى، وتمت توسعته بعد ذلك على يد خورشيد بك باشا ، ولكن يرجع تاريخ عمارة المسجد في شكله الحالي الى عهد الملك فاروق ، ملك مصر والسودان آنذاك ، وأمر فاروق ببناء مسجد في الخرطوم بالقرب من الكنيسة التي لا زالت موجودة الى يومنا هذا ، وبدأت أعمال البناء فيه سنة 1946، بواسطة عمال ومهندسين مصريين، الى أن أُفتتح رسميا في سنة 1953 بحضور وزير الأوقاف المصرية الشيخ أحمد حسن الباقوري.
يقول د.خالد محمد يسن وهو من أبناء الخوجلاب، وجلهم من تلاميذ ومريدي الشيخ أرباب العقائد، أنه في حوالي عام 1691 عبر أرباب العقائد النهر من جزيرة توتي الى الغابة الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض (منطقة المقرن الحالية) حيث بنى مسجدا ومنزلاً، وتوافد عليه الطلاب والمريدون حتى بلغ طلاب خلوته الألف طالب ومعظمهم من أبناء التكارير والبرقو.
ويشير د. خالد أن المسجد تعرض للهدم على يد الدفتردار عند مجيئه على رأس حملته الانتقامية، وقُتل حفيد أرباب العقائد ، الشيخ عثمان بك الفكي ، خليفة المسجد آنذاك، وتفرق المريدون الذين كانوا يأتون للمسجد والخلوة، وفيما بعد أمر اسماعيل باشا بترميمه.
تأهيل المسجد
تعتزم هيئة الأوقاف الاسلامية بولاية الخرطوم صيانة مسجد أرباب العقائد وتوسعته وفق أحدث النظم الانشائية بتكلفة تبلغ أكثر من مليار جنيه. وقال المهندس عبدالرحمن محمد شريف، المُشرف على صيانة المسجد أن أعمال الصيانة والتأهيل تشمل توسعته بتقليص المساحات الخضراء، واضافة مظلات متحركة ، وتغطية الساحات الأرضية الخارجية بالرخام.
ويشير المهندس عبدالرحمن الى أن المسجد يسع 800 – 850 مُصلي، وهذا ما دعا الي التفكير في أعمال التوسعة والصيانة، وتم تكوين لجنة لذلك برئاسة الدار الاستشارية وعضوية هيئة الأوقاف الاسلامية، وهيئة الآثار، بغرض المراجعة المعمارية والصيانة لحمايته من التشقق والتآكل، ويشير عبدالرحمن الى تأثر بعض الزخارف الداخلية بعمليات الغسل بالماء، وتدرس اللجنة اعادتها الى ماكانت عليه بنفس طرازها للحفاظ على قيمتها الاثرية.
كما تشمل أعمال الصيانة إزالة بعض الحمامات داخل صحن المسجد، وانشاء مكتب للجنة المسجد محلها ، وترقية الوضايات، وتركيب نجفات جديدة للاضاءة يجري جلبها هي والمظلات من تركيا.
وعن النمط المعماري لمسجد أرباب العقائد يقول المهندس عبدالرحمن انه مزيج مابين حضارة الدولة الفاطمية والطراز الأندلسي في بناء المساجد، اما الزخارف المنحوتة على أعمدته فتمت بطريقة يدوية، وحوائطه بُنيت من الحجر الصناعي الذي يدخل في تركيبته (السيخ) والحصي والرمل والأسمنت، وحوائطه الرخامية زُخرفت بطريقة النحت بالماء.
تماذج الحضارات
يشير استاذ وخبير المعمار د.هاشم الخليفة الى أن روعة وجمال عمارة مسجد أرباب العقائد تتمثل في صغر حجمه وبساطته، وبنائه من الداخل بالحجر الرملي، وحجر الجرانيت على الأعمدة، ويتميز الحجر الرملي المُستخدم في البناء بالبساطة، وخلوه من التموجات التي تشتهر بها الأحجار الرملية، ما أعطى خلفية صافية للخطوط والنقوش المحفورة على الحوائط.
ويضيف الخليفة أن مسجد فاروق اشتهر بأجمل أنواع المشربية في السودان، وهي من العناصر التي ترجع الى عمارة المملوكيين والعثمانيين ، كذلك أبواب المسجد مطعمة بقطع من النحاس ، وأروع مافي المسجد تلك الفوانيس المتدلية على مداخله وهي من عناصر عمارة الفاطميين الاسلامية في القاهرة.
ويرى الخليفة أن المعالجة المعمارية لمسجد فاروق ارتبطت بعلاقة فلسفية قوية مع تهيئة الانسان للعبادة والتقرب الى الله، فالمعمار في مسجد أرباب العقائد يتميز بالهدوء والتناسق، دون أن تشغلك الزخرفة أو الخطوط المنقوشة على حوائطه عن العبادة، وخاصة في محراب المسجد الذي صُمم بطريقة جمالية وفلسفية تهيئ الفرد للتعبد والتأمل.
ويشير د.هاشم أن عمارة المسجد أظهرت من جانب آخر قيمة المنافسة والمساجلة بين الأنجليز والمصريين، فبينما بنى الانجليز كنيسة القصر بالحجر الرملي، بنى المصريون جامع فاروق بنفس الحجر، وكان المُستفيد من هذا التنافس السودانيون.
ونادي د.هاشم الى التعامل برفق مع مسجد فاروق كأثر معماري رائع، وذلك بعدم تشييد مباني أمامه بحجة التوسعة، والاستعاضة عن ذلك بتوسعة مؤقتة ، كعمل شماسي في الخارج تطوى بعد انتهاء الصلاة ، واشاد الخليفة بالمستوى المتقدم في اضاءة المساجد بالخرطوم.
وكانت المساجد في السابق تضاء بالعناقيد والمصابيح الملونة، ما يقلل من قيمتها الروحية، وأصبحت تضاء الآن بما يسمى بالإضاءة الفيضية (Flood Light) وهي كشافات توضع تحت المبنى وتجعل المسجد كأنه يسبح في نور من الضياء، ونفذ هذا النوع من الاضاءة بنجاح في مسجد الشهيد وقاعة الصداقة.
وأكد د.هاشم على أهمية صيانة المساجد الأثرية بطريقة علمية لا تغير من عمارتها الاصلية، وأن لا تُزال كما أُزيل مسجد أم درمان العتيق، والمحافظة عليها خاصة مسجد فاروق باعتباره ثراث معماري عريق وهدية رائعة من المصريين للسودانيين.

Saturday, September 6, 2008

صناعة الفخار في ام درمان تواجه خطر الإندثار


تشهد صناعة الفخار (الخزف) في أم درمان عصرا جديدا ومهما ، بعد ان أصبح عنصرا اساسيا من عناصر الديكور المنزلي، وتطور أشكاله واستخداماته على يد فنانين وحرفيين مهرة لا يتوقفون عن تصميمه على شكل قطع خزفية ذات ألوان ونقوش جذابة تجمع بين أصالة الماضي وروعة الحاضر، لكن من جانب آخر تواجه هذه الحرفة خطر الاندثار والزوال بسبب عوامل اقتصادية تتعلق بصناعته، واتجاه الناس لاستخدام بدائل أخري للفخار.
أم درمان .. عاصمة الفخار
اذا أردت شراء زير لحفظ الماء وتبريده فاذهب الي قماير ام درمان .. واذا رغبت في اقتناء آنية لتضع عليها زهرة قاردينيا أو وردة جهنمية، ففي أم درمان تُصنع أجود أنواع المزهريات و(الأصايص) متعددة الأحجام والأشكال والألوان، ولا تقتصر صناعة الفخار في أم درمان على الاستخدامات الجمالية فقط، بل تتعدى ذلك الى تلبية حاجات الانسان المادية اليومية، فتجد في اسواق الفخار الأمدرماني صناعة (الجبنات) و (المباخر) وأقداح الطعام وبالطبع الأزيار.
وتعد صناعة الفخار وتزيينه من أقدم فنون العالم التقليدية التى لازمت مجتمعاته وحضاراته القديمة والحديثة على امتداد التاريخ، اضافة كونه مؤشرا قويا في دراسة هذه الحضارات.
وام درمان اشتهرت كواحدة من عواصم الفخار التقليدي في العالم، ووُجد فيها الفخار منذ فترة العصر الحجري الحديث، وتطور مع نشؤ حضارات كرمة ونبتة ومروي، التى عرفت صناعته وصقله وتزيينه، واشتهرت الأخيرة منها بالخزف المروي.
وعُرفت الأحياء الواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل والنيل الأبيض في مدينة ام درمان بصناعة الفخار التقليدي، من الفتيحاب جنوبا وحتى الريف الشمالي شمالاً (الشهيناب).
ويرجع الفضل في تطور عمل الفخار في تلك المنطقة الى أجيال متعاقبة من الفخاريين نذكر منهم آل قباني وعبد القادر بشير وشعبان محمد سعيد وغيرهم، ويمارس احفادهم الى الآن هذه الصنعة بعد ان توسعت واصبح الفخار من المقتنيات التي لا يخلو منزل منه.
وتتركز حاليا صناعته في القماير، وبعض مناطق أم درمان القديمة، وتنتشر في أحياء العباسية والموردة وبيت المال مشاغل صغيرة للفخار ارتبطت بمشاتل الزهور والحدائق.
يقول التجاني موسى وهو صاحب ورشة "الزهور والورد" لصناعة الفخار بالقماير ان هذه الحرفة نشأت مع بدايات تاريخ ام درمان القديم، وتطورت إلى ان وصلت إلى ما هي عليه الآن، ومن اوائل الذين اشتغلوا بها قبائل "التاما" و"القِمر" من غرب السودان ، وقبائل شمال السودان ووسطه ، وكانوا يصنعون منه الأواني والحلل والأزيار والأقداح، إلى ان جاءت طريقة عمل الفخار القناوي من صعيد مصر ، وتحوّل معظم الصنايعية الي عمل الأزيار القناوية واندثرت شيئا فشيئا الأزيار "التاموية" القديمة التي تتميز بحجمها الكبير.
والأزيار القناوية أصلها من مصر ، دخلت الي السودان في فترة الاستعمار المصري التركي، بعد ان تم جلب عمال مصريين متخصصون في صناعة أزيار القطارات ذات الشكل الأسطواني المدور ، واستقروا في منطقة ابي روف الحالية وشيئا فشيئا ازدهرت صناعة الأزيار المصرية في السودان وامتدت الي كل المدن عبر السكة حديد، وكانت بيوت أفندية وموظفي السكة حديد في تلك الفترة تتميز بأزيار الصعيد المصري، من عطبرة شمالا ، وحتي واو جنوبا .. ونيالا وبابنوسة في الغرب .. وبورتسودان في الشرق، وأصبحت تنافس الزير التاماوي الأفريقي ذو الحجم الكبير. ورغم ان صُناع الفخار حاولوا المحافظة على شكله التقليدية ، الا ان الأزيا القناوية المصرية لاقت شهرةً واسعة على امتداد البلاد.
سودنة الفخار
يحكي لنا التجاني ان المرحلة التالية كانت حاسمة في صناعة الفخار في السودان، بعد ان أُدخل تدريسه في مدرسة الصناعة بام درمان ، وظهر في تلك الفترة صناع مهرة أمثال المعلم عبد القادر بشير وهو من اوائل الذين اشتغلوا في عمل الفخار ، وآخرون منهم حسن آدم والأمين عبد العزيز وشعبان محمد السيد، إلى أن تم وقف استيراد الأزيار القناوية من مصر، واصبحت هناك صناعة فخار سودانية تعتمد علي الصانع المحلي، وتطورت هذه الحرفة الي ما نراه الان من أعمال فخارية متنوعة.
وعن تاريخ صناعة الفخار يقول التجاني ان صناعة الفخار بدأت في بيت المال ، ثم انتقلت إلى أبي روف حتى وصلت إلى منطقة القماير الحالية، وانتقالها جاء نتيجة للتطور العمراني الحديث، اذ ان الفخار يعتمد على عملية الحرق التقليدي ، وهذا ما يسبب ضيقا للمواطنين القاطنين بجوار افران الحرق.
وتتميز منطقة ام درمان بالطين الجيد الموجود على ضفاف نهر النيل، ويتم خلطه بتراب من جبل طورية جنوب ام درمان، ويستخدم بعض صانعي الفخار تراب مروي وجبال النوبة، وهي أجود أنواع التربة اللازمة لصناعته.
ويشارك التجاني معارض الفخار والزهور المحلية، ويصنع بعض انواع الفخار للزوار الأجانب وغيرهم، وله تعاون مع طلاب كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، ولا يطلب سوى الاعتراف بهذه المهنة وتنظيمها وتخصيص محلات ثابتة لها يؤمها الزوار والسياح.
تراجع الاهتمام بالفخار
والشاهد ان صناعة الفخار حاليا تنحصر في عمل الأزيار والمزهريات والبلاصات والجبنات والمباخر، ويشكو التجار من تراجع اهتمام الناس بالفخار ويرجع ذلك للتطور الحضاري للسكان ، اذ استغني عدد كبير منهم عن استخدام الأزيار لوجود اقبال شديد من الثلاجات التي يفوق ادائها الأزيار، ولم تعد الناس تأكل في اقداح الفخار أو تشرب به، وانحصر استخداهم في تزيين المنازل والحدائق، وبعض الاستخدامات الأخري، وحتى مُبخر الفخار المعروف والشائع في كل البيوت، قل استخدامه لظهور مباخر تعمل بالكهرباء، وتُصنع من خامات متعددة ومتنوعة تتحمل ظروف الطبيعة وسؤ الاستخدام.
وعمل بعض الصناع على مواكبة التطور واحتياجات الناس بتطوير هذه الصناعة التقليدية كأسرة عبد الكريم القباني وامين القباني الذين قاموا بادخال الطوب الحراري والمزايكو والمارسيليا، وهي بالطبع صناعات تحتاج لتمويل كبير من المصارف ورجال الأعمال ويعجز صغار المصنعين عن الدخول في هذه المجالات.
وتعاني صناعة الفخار حاليا في ام درمان من مشاكل عدة منها الطريقة التقليدية للحرق باستعمال حطب الوقود، وعدم ملائمة الافران للمواصفات العالمية للحرق، وتوجد طرق اخري للحرق منها الكهربائي والغاز، لكنها ذات تلكفة عالية ولا تتناسب مع أسعار بيع الفخار.
الزير الأُمدرماني
داخل ورشة قباني للفخار عشرات من الصناع المهرة يعملون على تجهيز الطين وخلطه وتصفيته، ويقول العامل محمد اسحق ان اهم مرحلة في هذه الصناعة هي مرحلة تجهيز الطين وخلطه مع طين الآبار، ونوع آخر يُجلب من جبل طورية جنوب ام درمان.
يقوم اسحق بعمل زير علي الطريقة الأُمدرمانية، ويمر الزير علي ثلاث مراحل، فبعد ان يجهز الطين ويوضع على العجلة الدوارة، يقوم بعمل الجزء السفلي من الزير، ويضعه بعد ذلك تحت أشعة الشمس حتى يجف قليلا ، ثم يقوم بارجاعه الى العجلة ويضع عليه الجزء الثاني وهو الجزء العلوي للزير ذو الرقبة الاسطوانية، وبعد التحامهما معا ، وعمل اللمسات النهائية بمساعدة ادوات يستخدمها العامل، يوضع الزير ليجف تحت أشعة الشمس الحارقة ، وبعد ثلاثة ايام يُحرق في الفرن، والفرن عبارة عن حفرة داخل الأرض لها فتحة كبيرة لادخال الفخار، واخرى صغيرة لمرور الهواء.
خلال جولتنا في القماير وقفنا ايضا على صناعة المباخر التي تشتهر بها المنطقة ، ويقول بشير آدم انها ثلاثة أنواع أشهرها مُبخر العديل والزين ويتميز بنقوشه وزخرفته الجميلة والملونة، وهو خاص بالجرتق، ثم مُبخر البخور العادي وهو أقل حجما ويكون غير منقوش، ثم المبخر العادي وهو الأصغر ويستعمل في المنازل.وبعد ان يتم عمل هذه المباخر وحرقها، تُلمع وتُلون باللونين الأصفر والأحمر خاصة مُبخر الجرتق.
يقول نور الدين سعد المأمون وعيد الله مأمون اللذان يعملان في صناعة المزهريات والجبنات ، انهما ورثا هذه الصناعة عن آبائهما، وهما يعملان بها منذ فترة طويلة، وتزدهر هذه الصناعة خصوصاً في مواسم الأعياد، حيث يقبل الناس على شرائها للزينة واستعمالها ديكوراً للمنازل.
خزف الشقلة الشعبي
وللفخار في أم درمان وجه آخر قد لا يراه الكثيريين ربما لوقوع هذا الجزء من المدينة في أقصي جنوبها وبعيدا عن مركزها، وتقع هذه المنطقة علي ضفة النيل الأبيض جنوبا وبمحاذاة الفتيحاب وتسمي (بالشقلة عد أبوزيد) أو حي البرامة (نسبة الي بُرمة الفخار) وتسكن هذه المنطقة قبائل الدواليب والجعليين الذين وفدوا الي المكان عقب قيام الثورة المهدية حينما حل الامام المهدي بالفتيحاب.
وتقتصر صناعة الفخار في حي البرامة حاليا علي صناعة الأزيار، وتقول الحاجة أم جبارة أحمد انها توقفت عن عمل أشكال الفخار الاخري لتوقف الناس عن استعمالها ، ولكن البعض يأتي اليها طالبا عمل (دوراية) وهي اناء لتسخين اللبن ويعطيه نكهة مميزة، وتصنع ام جبارة بعض المباخر والأصايص لكن حسب الطلب.
وتشبه أزيار الشقلة الأزيار التاموية الكبيرة الا انها أقل حجما، وتطابق الي حد كبير أزيار غرب السودان المدورة. ويتم الحرق في الشقلة باستخدام افران واسعة تحفر علي سطح الأرض ويوضع الفخار عليها بعد ان يُغطي بالحطب وروث البهائم والأحجار والصفائح لزيادة درجة الحرارة ، وتوضع الأواني والأزيار المراد حرقها بطريقة معكوسة لضمان الحرق الجيد.
سلالة فخار الشهيناب
تقول الفنانة التشكيلية عوضية يسن تبيدي أن فخار الشقلة يدخل فيما يسمي بالخزف الشعبي، ويختلف عن فخار القماير في طريقة صنعه وتزيينه وحرقه ، اذ يدخل في صناعته روث البهائم الذي يساعد علي التماسك والحرق ، بعد خلطه مع طين القرير والتراب الأحمر، ويتميز فخار الشقلة عن غيره بالتلوين والصقل والزخرفة، وهي بعضا من سمات خزفيات حضارة الخرطوم القديمة التي وجدت في موقع الشهيناب الأثري.
وتضيف عوضية تبيدي (للأحداث) وهي باحثة تشكيلية أجرت عددا من الدراسات حول خزف الشقلة الشعبي، أن الهجرات المتعاقبة على المنطقة أدخلت الفخار الشعبي هناك الي مرحلة التصنيع التجاري، وهذا ما أدي لاختفاء كثير من الأشكال الخزفية التي كانت تُصنع في السابق، وأصبح السكان الأصليين أصحاب الحرفة أقلية أمام الهجرة الجماعية وتمدد العمران ، وبالتالي تدهورت احدي أهم عناصر التراث الشعبي في المنطقة، ومهمة الجهات الرسمية والثقافية الان تطوير صناعة فخار الشقلة الشعبي وحمايته من الاندثار.
التيفال يهزم الفخار
تقول الفنانة التشكيلية انعام عبدالله صالح أن صناعة الخزف أو الفخار في السودان بدأت مع وجود الانسان منذ القدم تلبيةً لحاجاته واستخداماته اليومية فظهرت الأواني الخزفية كالاقداح وآنية طبخ الطعام وحفظ الماء وغيره، واشتهر السودان بخزف الحضارة المروية، كما اشتهر بخزف غرب السودان.
وتضيف انعام في حديثها (للأحداث) ان صناعة الخزف تواجه اليوم خطر الاندثار والتراجع نتيجة لظهور بدائل اخري لا تنافس كالتيفال وغيرها من المواد الحديثة المستخدمة في صناعة الاواني المنزلية، كما ان الفخار الموجود حاليا هو من النوع التجاري ، ويتم تلوينه بالبوهيات، ويتخذ قالبا وشكلا موحدا، وهذا ما يقلل من قيمته الجمالية واخفاء اللون الطبيعي للفخار.
وتقول انعام وهي تخرجت في كلية الفنون الجميلة العام 1996 ان دور خريجي الكلية ضعيف جدا في تطوير وترقية هذه الصناعة وذلك للمشاكل التي تواجهم عقب التخرج، فمواد صناعة الخزف غير متوفرة، والطين الأجود غالي جدا اذ ويأتي من منطقة مروي، اضافة الي طين الفتيحاب وهو اقل جودة من الطين المروي، ويستخدم أغلب صانعوا الخزف طريقة الحرق التقليدي، ولا تتوفر طرق الحرق الحديثة كالغاز والكهرباء الا نادرا، هذا ما يقلل من فرص الخريجين في العمل والتنافس لترقية هذه الصناعة، واتجه بعض الخريجين مؤخرا للعمل في مصانع السيراميك، ولكن يقتصر عملهم علي عمل المعالجات الكيميائية، والزخارف.
وتشير انعام الي محاولات فردية من بعض الخريجين لعمل مشاغل خزف ولكنها تبقي تجارب فردية، وعلي سبيل المثال الفنان التشكيلي ياسر الحلبي وهو أحد خريجين كلية الفنون وأسس له مصنعاً لعمل الفخار بام درمان وتجد منتوجات رواجا كبيرا لتميزها بلمسات جمالية لا نجدها في مشاغل الخزف الاخري.
وتطالب انعام بمزيد من التوعية بفوائد واستخدام الفخار في الطبخ حيث تتميز آنية الخزف بنسبة تشرب عالية، وله قدرة علي الامتصاص ما يعطي نتيجة أفضل، كما تؤكد علي التذكير بالقيمة الجمالية للخزف السوداني الذي تراجع استخدامه وأصبح ينظر اليه كشئ من التراث.
الفخار .. أصل الحضارات
يقول البروفيسور عبد الرحيم محمد خبير رئيس قسم الآثار وعميد كلية الآداب بجامعة جوبا في حديثه عن دور الفخار وتأثيره علي الشخصية السودانية ان الفخار يعتبر من أكثر أنماط الفنون المادية التي تكشف بجلاء عن الهوية الثقافية لأصحابه، ولقد تميزت فخاريات عصور ما قبل التاريخ في السودان بأنها يدوية الصناعة وتميل في معظمها إلى اللون البني بدرجات متفاوتة كما وأن بنياتها تتراوح بين الرمل (الكوارتز) والمواد العضوية (التبن والقش). ووجدت فخاريات هذه الفترة في العشرات من المستوطنات المتباعدة جغرافيا شملت وادي النيل ومنطقة البحيرات الاستوائية وشمال أفريقيا وغربها، وربما كان ذلك بدواعي اتصال حضاري مباشر أو غير مباشر حيث أن الظروف الجغرافية المطيرة في عصر الهولوسين (Holocene) كانت مواتية للتنقل و التداخل الحضاري عبر بقاع شاسعة.
ويضيف البروفيسور خبير أن صناعة الفخار السوداني تطورت في عهد مملكة كرمة (2500-1500ق.م) من حيث الصنعة والحرق والتشكيل والزخرفة بصورة تضاهي نظائره في أفريقيا و الشرق الأدنى القديم، وفي عهد مملكة مروي (900ق.م-350م) بلغت صناعة الفخار شأواً كبيرا حيث أنتجت مروي القديمة فخاريات متميزة تعتبر من أجود ما صنعه العالم القديم من الفخار، وخلال عهد الممالك المسيحية (543-1504م) حافظت صناعة الفخار السوداني على مستواها التقني الرفيع بفضل الاستخدام الواسع لعجلة الخزاف وبرزت أنماط جديدة من الأواني والأدوات والزخارف، أما في العهود الإسلامية فقد غلبت الأنماط المحلية على صناعة الفخار المتأثرة بتقاليد متوارثة و إن تم العثور على أنماط مستوردة من مصر و الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، وتلزم الإشارة هنا إلى أن هناك تجانسا كبيرا تقنيا وثقافيا بين أقوام هذه المجموعات الفخارية في كل فترة تاريخية على حدة. وفي ذات الوقت لابد من التنويه إلى قواسم حضارية مشتركة خلال الفترات التاريخية المتعاقبة للحضارة السودانية تومئ إلى الوحدة الثقافية التي جمعت بين أسلافنا الذين أبدعوا فنون هذه الفخاريات صناعة وتشكيلا وزخرفة في كل الممالك والدول التي أقاموها في السودان القديم.
وتجد صناعة الفخار اهتماما كبيرا من قبل هيئات الثقافة والفنون خاصةً في مصر والمغرب والهند ، وهي من الصناعات الحرفية التقليدية التي تهتم الحكومات بتمويلها ورعايتها للحفاظ عليها وحمايتها من الزوال.
ففي المغرب تشتهر كل المدن هناك بصناعة الفخار، ويتعدي مفهوم استخدامه من الجمالي الي الاواني والمعدات المنزلية، ولا يخلو بيت هناك من طواجن الفخار ، وهو من الآنية المفضلة للطبخ ، والطاجن اسم يطلق ايضا علي الأكلة نفسها. ولم يمنع انتشار اواني النيكل والالمونيوم الحديثة من استخدام الطاجن الفخاري لعمل الأكل. وأصبح الفخار من رموز الحضارة المغربية، وتتركز صناعته في مدينتي فاس ومكناس.
وتشتهر دول كالصين بعمل الفخار المزجج، وايران بالفخار الاسلامي (خزف القيشاني)، وبرع المصريون القدماء في صناعة الفخار القناوي باشكاله الملونة والمزخرفة ، ويشمل الأكواب والأباريق والقدور وغيرها من الأواني المنزلية متعددة الاستخدامات، وتشتهر منطقة النوبة الجنوبية ومحافظتي قنا وسيناء بصناعة الفخار المصري القديم.

Tuesday, September 2, 2008

مسجد الحسن الثاني .. تُحفة العمارة المغربية الراقية


مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء أحد عجائب المغرب الفاتنة التي تبهر الزائرين وتسر الناظرين، فهو تحفة معمارية فنية راقية تجمع ما بين حداثة المعمار ، وأصالة الحضارة المغربية وتفردها، يُميزه علو بنيانه ومتانة أساسه .. مئذنته الأندلسية المربعة تعانق السماء في فخر وخشوع، وجذوره الحجرية الصلبة تضرب في عمق المحيط، لتجعل منه أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين بالأراضي المقدسة.
يقع المسجد في الجزء الجنوبي من المدينة، فيما يسمى بالحي الحسني، أو حي الجامع، واذا جئت قادما للدار البيضاء (كازبلانكا) بالطائرة أو بالقطار أو عن طريق البحر فأول ما ستشاهده هو مسجد الحسن الثاني .. منارته العالية تهدي الزائرين ليلا ونهارا الى ذاك الجزء من المدينة، ويمكنك مشاهدة سفن المحيط التجارية راسية بامتداد المحيط في انتظار دورها لدخول مرفأ الميناء المجاور للمسجد الكبير.

يطل المنزل الذي سكنت فيه خلال زيارتي مؤخرا للمغرب، من جهته الغربية على المحيط الأطلسي، ومن الجهة الجنوبية على مسجد الحسن الثاني، ويفصل بين المنزل والمسجد شارع اسلفت عريض يعج ليلا ونهارا بمئات الزائرين لمسجد الحسن الثاني.
ورغم ان المسجد اُفتتح في العام 1993، الا ان العمل لا يزال جاريا في الأبنية الملحقة بالمسجد، والتي تشمل قاعات دراسية ومكتبات ومشاريع عقارية ، كما تجري أعمال أُخرى لبناء وحدات سياحية وحدائق ومنتزهات على ساحل المحيط وبمحازاة المسجد.
ولا يتوقف العمال عن العمل بالمباني الملحقة بالمسجد الا لساعات قليلة خلال الليل، ويمكنك ان ترى العشرات منهم وهم يتسلقون الأسطح العالية في همة ونشاط ، ومعظمهم من العمال المهرة الذين يبرعون في أعمال الجبس والحجر والرخام والمرمر، وبعضهم عمل في بناء المسجد قبل افتتاحه في 1993، وحكى لى احدهم ويدعى رشيد بلحور أنه شارك في عمليات البناء مع أكثر من 3000 عامل كانوا يعملون ليل نهار لإكمال العمل، يساعدهم الآلاف من الفنيين والحرفيين الذين وضعوا اللمسات الجمالية الساحرة للمسجد، ويقول رشيد إن المغاربة جميعهم ساهموا في هذا المسجد الذي يعود الفضل في بنائه الى الملك الحسن الثاني المتوفي فى العام 1999.
وتمتد أعمال التوسعة من باحة المسجد غربا، وحتى شارع مقر المعرض الدولي جنوبا ، والذي يتفرع منه الطريق المؤدي الى رصيف الميناء القديم الذي طالته ايضاً عملية الترقية والتطوير ، وتعمل به شركات اماراتية ومغربية بهدف تحويل المنطقة من المسجد وحتى المرفأ الى منتجع سياحي وترفيهي.
يتميز مسجد الحسن الثاني بأشكاله الزخرفية المنقوشة على الطراز الأندلسي القديم ، وبمئذنته المربعة التي تشابه مآذن وصوامع تلك الفترة الإسلامية المزدهرة، ويصل ارتفاع المئذنة الى أكثر من 200 متر فوق سطح البحر، وبعرض 10 أمتار ، ويكسوها الرخام من كل جانب، ما يجعلها أعلى وأكبر مئذنة في العالم.
وعمارة المسجد هي مزيح ما بين عناصر الفن المغربي العريق، وطراز الأمويين المعماري القديم ذو الزخارف والنقوش المتحركة ، كتلك التي تُزين مساجد دمشق وقرطبة ، وقصور قرناطة الأندلسية بأبوابها المقوسة وأعمدتها الحجرية الضخمة.
ويتميز المسجد بفسيفسائه الخزفية الملونة المرصعة على جنباته، وتُميزه كذلك سقوفه الدائرية الشاهقة ، وجدرانه الرخامية العالية، أما صحنه الداخلي فتُزينه ألواح كبيرة من الزليج (الفسيفساء المغربي) ذو اللونين الأبيض والأخضر، والذى جاء في الأصل، كما قال لي أحد مهندسي المعمار من مدينة فاس الواقعة شمال المغرب، والتي صنفتها اليونسكو كأحد المواقع الأثرية العالمية الهامة.
أما قاعة الصلاة بالمسجد فيغطيها سقف متحرك يُفتح اتوماتيكيا ، وبالمئذنة مصعد كهربائي يرتفع بك الى علو 200 متر في لمح البصر لتشاهد المدينة من كل اتجاه.
مسجد الحسن الثاني يؤمه المصلون والزوار من داخل المغرب وخارجها، ويتسع بهوه الداخلي لـ 25 الف مصل، وباحته في الخارج لأكثر من 80 ألف خاصة في الأعياد وخلال شهر رمضان، إذ يحرص جميع أفراد الأسرة المغربية على أداء صلاتي العشاء والتراويح فيه خلف إمامه الشيخ عمر القزابري، المقرئ المشهور، والقزابري هذا يبلغ من العمر 35 عاما فقط، وهو إمام مسجد الحسن الثاني منذ سنوات، وخطبته تستقطب الآلاف من رجال ونساء الدار البيضاء.
وحتى في غير شهر رمضان الكريم تمتلئ باحة المسجد الخارجي بالزوار والسياح من العرب والأجانب الذين يسمح لهم بدخول جزء من قاعات المسجد الداخلية، وهذا هو المسجد الوحيد في كازبلانكا (الدار البيضاء) الذي يسمح فيه للأجانب بالدخول لغرض الزيارة، وتدخل النساء من باب بينما يدخل الرجال من مدخل آخر.
حق للمغاربة أن يفخروا كثيرا بهذا الصرح المعماري الفريد من نوعه، وبالأخص سكان (كازا) وهذا هو الأسم المحبب الذي يطلقه أهالي الدار البيضاء على مدينتهم التي لا زالت حتى يومنا هذا تحتفظ بشوارعها ومبانيها العتيقة التي يعود تاريخها الى الدولة العلوية.
تزدهر كازبلانكا في موسم الصيف وهي تستقبل ضيوفها من السياح العرب والأجانب .. يصلها القادمون عبر مطار محمد الخامس، أكبر موانىء افريقيا الجوية، والذى يبعد عن مركز المدينة مسافة تقطعها السيارة في ساعة واحدة، وأقل من ذلك بالقطار السريع الذي يربط جنوب المغرب بشماله، تشتهر المدينة بمطاعمها التي تقدم أسماك القريدس المشوية والمقلية منها، وبمأكولاتها البحرية اللاذعة المذاق، وبحسناواتها الجميلات سلالة العرب والأمازيغ.