Saturday, April 21, 2007

الجنوبيون في الخرطوم: قراءة متأنية لمرحلة توطين السلام


محمد كشان

مارتن قمت، شاب من قبيلة الباريا، جاء في العام 1985 قادما من مدينة جوبا الى الخرطوم عندما ضاقت به الاحوال هناك ، جاء بحثا عن استقرار اكاديمي افضل، حيث كان وقتئذ طالبا بالمراحل الاولية، ومنذ ذاك الحين وهو يسكن اطراف العاصمة، حيث معسكرات النازحين، مارتن يعمل الان كبائع متجول بأعرق شوارع العاصمة، ومابين المعسكر وشارع الجمهورية مسافة يملأها بالحنين والعودة الى مسقط رأسه. مارتن احد ابناء الجنوب الذين سعدوا بانباء مفاوضات السلام الاخيرة واكثرهم سعاده بتوقيع الاطراف المتنازعة على اتفاق سلام لايفضي الا الى سلام، يقول ان السلام هو الامنية التي كنا نتمناها وخصوصا نحن الجنوبيين الموجودين بالخرطوم، حيث نواجه صعوبات كثيرة وكلها نتيجة للحرب، واذا تم السلام فعلا قد نعود لمناطقنا وقد نبقي هنا بالخرطوم لان العاصمة اصبحت عاصمة لكل السودانيين ، ومسألة البقاء بها تعود للمواطن نفسه ولظروف اسرته، ولكن حتى الان مافي زول بيقول ان السلام اصبح واقعا، ونحن اذا لم نشاهد جون قرنق في الخرطوم لن يكون هناك سلام، وكلنا عاوزين السلام ومافي زول عاوز الحرب.. ويضيف مارتن.. انهم يبحثون عن تحول ديمقراطي لمزيد من الحريات ولعودة التعددية كالتي كانت في السابق، وعن احوال السوق يقول مارتن ان القوة الشرائية اصبحت ضعيفة مقارنة بالسنوات السابقة ، والناس احوالهم كانت متيسرة وكانوا بيشتروا بأى سعر ، لكن الان اصبح كل شئ عند الحد الادني من المعيشة اضافة الى حملات تنظيم السوق، ونعتقد انه لو جاء السلام فان ظاهرة الباعة المتجولين ستختفي ويستقر الناس وتتحسن الاحوال و (حيكون هناك بترول) ومشاريع وشركات وستختفي زحمة الخرطوم لان معظم الناس جاءوا نازحين. وفي السوق نفسه، سوق شارع الجمهورية شباب من قبائل مختلفة من جنوب الوطن جمعتهم احوال السوق حول بائعة شاى، هي الاخري من تلك البقعة من وطننا الحبيب، اختارت لنفسها ولزبائنها ركنا قصيا يقيها شر الحملات المتكررة التي تقول عنها (هدأت قليلا - وماعارفين الحاصل شنو) حول روجينا، تحلق عشرات الباعة والمثقفين والشيوخ واحيانا السلاطين يناقشون وبـ (رطانة) متقنة هموم الحرب والسلام.. ميانق كواج تخرج في كلية القانون بجامعة النيلين ، قال بما أن الخرطوم عاصمة قومية فهي بالتالى ملك لكل الشعب السوداني وكل زول له حرية الاختيار ومن زمان هذه الحريات متوفرة حتى قبل اتمام السلام من اراد ان يستقر بالعاصمة فله ذلك ومن اراد العودة الى موطنه فله ذلك، واضاف كواج قائلا أننا نتابع اخبار المفاوضات الجارية بنيفاشا الان عبر الصحف المحلية وقلوبنا معلقة بما يحدث هناك، ونعتقد ان الصحافة اسهمت في عملية السلام ، وبعد السلام سيكون هناك دور اكبر للصحف وستنشأ صحف باللغة الانجليزية وغيرها ،وهذا سيوسع من المشاركة بالرأي والرأي الاخر وحيكون هناك وضع جديد للسودان.. لان الناس حتعيش في ظل السلام وفي ظل السودان الجديد سواء من رمبيك او الخرطوم. أيزك بول طالب بكلية التربية جامعة بحرالغزال ، لكن من الرواد المعتمدين بشارع الجمهورية ، يقول بعد تحقيق السلام ستكون العاصمة عاصمة سودانية ، ومن حقنا ان نعيش فيها لنمارس حقوقنا كسودانيين ونحن الان نعيش في عاصمة لا تستطيع ان تعبر فيها كانسان سوداني وجنوبي على وجه الخصوص ، فالخرطوم ملك للجميع والبقاء فيها متاح ايضا للجميع ومطالبتنا بقومية العاصمة لحل هذه الاشكالات ، اما مرحلة ما بعد السلام ومابعد الاتفاقية فسيكون هناك دور متكامل للجميع ولكل القطاعات ويجب ان نبدأ بوضع الترتيبات لاعادة بناء ماهدمته الحرب خلال الاعوام الماضية ، واعتقد ان الاستعداد لمرحلة مابعد السلام موضوع هام وفاعل ، ونحن نسعي لتحقيق هذا الحلم كطلاب وكمواطنين وليس هناك من يدعو لفصل جزء من هذا الوطن او الاستغناء عنه، وهمنا ان يكون الوطن موحدا وعلى اسس جديدة تتمثل في حرية الثقافة وحرية التعبير وحرية الديانة لانه من الخطأ ان ينحصر تفكيرنا في ثقافات بعينها في ظل وجود ثقافات اخري ورؤى اخري ، فيجب ان تكون هناك موازنة حتى لا نسيئ فهم ثقافات الاخرين وحتى عند قدوم جون قرنق فيجب ان تكون هناك موازنات ليكون السودان مبنيا على اسس جديدة، واتساءل لماذا يتعامل بعض الشمالىين مع الحركة الشعبية باعتبارها حركة جنوبية فقط متناسين ان بها عددا من الشمالي

بول رنق، تخرج في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ويعمل الان بمركز ماري يوسف للتدريب المهني، التقيناه في هذا الشارع، شأنه شأن مثقفي السودان وحريص على وحدته لم يكن يدعو للانفصال يوما ما، يقول بول: أولا نشيد بمبدأ الاتفاق الذي تم بين السودانيين انفسهم دون ان يكون هناك تدخل من الوسطاء والمبادرين بوجود النائب الاول ود. جون قرنق دون املاء من الخارج مما يؤشر لامكانية ترتيب الامور من النواحي السياسية والعسكرية ، فمبدأ الاتفاق في الترتيبات العسكرية يشكل مدخلا لحسم القضايا الاخري ، مازالت هناك بعض القضايا العالقة تحتاج الى التحاور والتفاوض، لذلك فالترتيبات العسكرية ستفتح الباب لبحث قضايا الرئاسة والثروة ليس في الجنوب فقط بل سينعكس ذلك على قضايا المناطق الثلاث ومن ثم قضايا المناطق الاخري مثل دارفور لتحل كل القضايا بشكل جذري يضمن عدم تكرارها. وبالنسبة لموضوع العاصمة اعتقد ان هناك ترتيبات بشأنها تحكمها الفترة الانتقالىة والتعايش بين الناس خلال تلك الفترة، والتصور الذي تضعه الحركة الان لايخص الجنوب فقط بل يتعداه الى المناطق المهمشة الاخري، وهذا يتم بالحوار والتفاكر واقامة الندوات لتوضيح الملابسات واتاحة الحريات الدينية، والحريات السياسية التي تجمع الجماهير بشكل يرضي الجميع. { ميان دوت، مساعد تدريس بكلية التربية، شعبة التاريخ بجامعة بحر الغزال، التقيناه ايضا في هذا الشارع ، يقول دوت ان ماتم التوقيع علىه يعتبر بشرى لكل الشعب السوداني ولكنه يحتاج الى مجهودات اضافية لتحقيق الوحدة بين الجنوب والشمال. الدعوة للانفصال سابقا والتي كانت تدعو لها التيارات الانفصالية سببها المرارة التي كان يعيشها الناس، والسبب وراء نشوء هذه التيارات هو الانظمة الموجودة بالخرطوم ودعوتها وتبنيها لموضوعات خلافية ففي الموقف الذي لم توفر فيه الحكومة اي خدمة للمواطن النازح نجد ان المدارس القائمة بالمعسكرات هي مدارس كنسية بل كانت هناك مدارس ثانوية ولكنها اغلقت باعتبارها مدارس جهوية. والفترة القادمة تحتاج الى مجهود ضخم وجبار حيث لا فرق بين جنوب وشمال وربط هذه المناطق ببعضها، والقضية ليست قضية شمال وجنوب، ومن هنا انادي الطرفين الى الالتفات الى الحروب الدائرة في مختلف مناطق السودان الاخري وكل هذه القضايا يجب ان يتم الالتفات الىها في الفترة الانتقالىة وعلى الشباب خصوصا القيام برحلات وقوافل الى المناطق المتأثرة بالحرب وهذا هو الدور الذي يجب ان يتم اضافة الى دور الخدمة الوطنية في تنمية الريف ، وبالنسبة لنا فالخرطوم عاصمة تاريخية وكل مواطن هو حر في ان يعيش في المنطقة التي يريد فنحن والشمالىون منذ عهود سابقة ونحن نتعايش في هذه العاصمة ولاجديد واذا كان هناك من يكرس للعنصرية والفرقة فهي الانظمة السياسية اما المواطن الشمالى يتعايش مع المواطن الجنوبي في وفاق تام سواء في المدن الشمالىة او المدن الجنوبية، دون النظر الى أى فوارق او قيودات. { دينس اتيم، من ابناء اعالى النيل، من قبيلة الشلك، من اشهر التجار في هذا السوق، يتاجر في الادوات والاجهزة الكهربائية ويتعداها احيانا الى تجارة الشنطة والملابس. يقول ان السلام هو رؤية واضحة ويعود بفوائد كثيرة على الشعب السوداني وما كان يستنزف في الحرب يمكن ان يفيد في مرحلة السلام وبعد احلال السلام يمكننا ان نسهم في تحقيق مرحلة مابعد الاتفاقية. ونحن نزحنا الى الشمال وبدأنا نعمل بالخرطوم ولافرق بين الشمال والجنوب وفي حالة السلام يمكن ان نعمل في التجارة بين الشمال والجنوب وبعد ذلك يمكن ان تتوسع تجارتنا ونقوم بفتح محال لنا في مدن الجنوب المختلفة وارسال البضائع من الخرطوم الى رمبيك او جوبا يقول دينس انه قد يختار البقاء بالخرطوم بعد توقيع اتفاقية السلام وقد يعود الى اعالى النيل ، لكنه فضل البقاء هنا لانه ارتبط بالسوق ولا يتوقع ان يعود الى منطقته قريبا. دينس جاء الى الخرطوم قبل خمسة عشر عاما من ، حين كانت الحرب في اوج لهيبها جاءها في مقتبل العمر، وهو الان في الاربعين من العمر تزوج قبل خمسة اعوام بفتاة من قبيلته وله ثلاثة من البنين والبنات يتلمسون طريقهم في مراحل التعلىم الاولية ربما باعدت هذه الاحوال بينه وبين مدينته باعالى النيل ولكن تبقي الخرطوم هي الاخري مدينته.

No comments: