مسجد الحسن الثاني .. تُحفة العمارة المغربية الراقية
مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء أحد عجائب المغرب الفاتنة التي تبهر الزائرين وتسر الناظرين، فهو تحفة معمارية فنية راقية تجمع ما بين حداثة المعمار ، وأصالة الحضارة المغربية وتفردها، يُميزه علو بنيانه ومتانة أساسه .. مئذنته الأندلسية المربعة تعانق السماء في فخر وخشوع، وجذوره الحجرية الصلبة تضرب في عمق المحيط، لتجعل منه أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين بالأراضي المقدسة.
يقع المسجد في الجزء الجنوبي من المدينة، فيما يسمى بالحي الحسني، أو حي الجامع، واذا جئت قادما للدار البيضاء (كازبلانكا) بالطائرة أو بالقطار أو عن طريق البحر فأول ما ستشاهده هو مسجد الحسن الثاني .. منارته العالية تهدي الزائرين ليلا ونهارا الى ذاك الجزء من المدينة، ويمكنك مشاهدة سفن المحيط التجارية راسية بامتداد المحيط في انتظار دورها لدخول مرفأ الميناء المجاور للمسجد الكبير.
يطل المنزل الذي سكنت فيه خلال زيارتي مؤخرا للمغرب، من جهته الغربية على المحيط الأطلسي، ومن الجهة الجنوبية على مسجد الحسن الثاني، ويفصل بين المنزل والمسجد شارع اسلفت عريض يعج ليلا ونهارا بمئات الزائرين لمسجد الحسن الثاني.
ورغم ان المسجد اُفتتح في العام 1993، الا ان العمل لا يزال جاريا في الأبنية الملحقة بالمسجد، والتي تشمل قاعات دراسية ومكتبات ومشاريع عقارية ، كما تجري أعمال أُخرى لبناء وحدات سياحية وحدائق ومنتزهات على ساحل المحيط وبمحازاة المسجد.
ولا يتوقف العمال عن العمل بالمباني الملحقة بالمسجد الا لساعات قليلة خلال الليل، ويمكنك ان ترى العشرات منهم وهم يتسلقون الأسطح العالية في همة ونشاط ، ومعظمهم من العمال المهرة الذين يبرعون في أعمال الجبس والحجر والرخام والمرمر، وبعضهم عمل في بناء المسجد قبل افتتاحه في 1993، وحكى لى احدهم ويدعى رشيد بلحور أنه شارك في عمليات البناء مع أكثر من 3000 عامل كانوا يعملون ليل نهار لإكمال العمل، يساعدهم الآلاف من الفنيين والحرفيين الذين وضعوا اللمسات الجمالية الساحرة للمسجد، ويقول رشيد إن المغاربة جميعهم ساهموا في هذا المسجد الذي يعود الفضل في بنائه الى الملك الحسن الثاني المتوفي فى العام 1999.
وتمتد أعمال التوسعة من باحة المسجد غربا، وحتى شارع مقر المعرض الدولي جنوبا ، والذي يتفرع منه الطريق المؤدي الى رصيف الميناء القديم الذي طالته ايضاً عملية الترقية والتطوير ، وتعمل به شركات اماراتية ومغربية بهدف تحويل المنطقة من المسجد وحتى المرفأ الى منتجع سياحي وترفيهي.
يتميز مسجد الحسن الثاني بأشكاله الزخرفية المنقوشة على الطراز الأندلسي القديم ، وبمئذنته المربعة التي تشابه مآذن وصوامع تلك الفترة الإسلامية المزدهرة، ويصل ارتفاع المئذنة الى أكثر من 200 متر فوق سطح البحر، وبعرض 10 أمتار ، ويكسوها الرخام من كل جانب، ما يجعلها أعلى وأكبر مئذنة في العالم.
وعمارة المسجد هي مزيح ما بين عناصر الفن المغربي العريق، وطراز الأمويين المعماري القديم ذو الزخارف والنقوش المتحركة ، كتلك التي تُزين مساجد دمشق وقرطبة ، وقصور قرناطة الأندلسية بأبوابها المقوسة وأعمدتها الحجرية الضخمة.
ويتميز المسجد بفسيفسائه الخزفية الملونة المرصعة على جنباته، وتُميزه كذلك سقوفه الدائرية الشاهقة ، وجدرانه الرخامية العالية، أما صحنه الداخلي فتُزينه ألواح كبيرة من الزليج (الفسيفساء المغربي) ذو اللونين الأبيض والأخضر، والذى جاء في الأصل، كما قال لي أحد مهندسي المعمار من مدينة فاس الواقعة شمال المغرب، والتي صنفتها اليونسكو كأحد المواقع الأثرية العالمية الهامة.
أما قاعة الصلاة بالمسجد فيغطيها سقف متحرك يُفتح اتوماتيكيا ، وبالمئذنة مصعد كهربائي يرتفع بك الى علو 200 متر في لمح البصر لتشاهد المدينة من كل اتجاه.
مسجد الحسن الثاني يؤمه المصلون والزوار من داخل المغرب وخارجها، ويتسع بهوه الداخلي لـ 25 الف مصل، وباحته في الخارج لأكثر من 80 ألف خاصة في الأعياد وخلال شهر رمضان، إذ يحرص جميع أفراد الأسرة المغربية على أداء صلاتي العشاء والتراويح فيه خلف إمامه الشيخ عمر القزابري، المقرئ المشهور، والقزابري هذا يبلغ من العمر 35 عاما فقط، وهو إمام مسجد الحسن الثاني منذ سنوات، وخطبته تستقطب الآلاف من رجال ونساء الدار البيضاء.
وحتى في غير شهر رمضان الكريم تمتلئ باحة المسجد الخارجي بالزوار والسياح من العرب والأجانب الذين يسمح لهم بدخول جزء من قاعات المسجد الداخلية، وهذا هو المسجد الوحيد في كازبلانكا (الدار البيضاء) الذي يسمح فيه للأجانب بالدخول لغرض الزيارة، وتدخل النساء من باب بينما يدخل الرجال من مدخل آخر.
حق للمغاربة أن يفخروا كثيرا بهذا الصرح المعماري الفريد من نوعه، وبالأخص سكان (كازا) وهذا هو الأسم المحبب الذي يطلقه أهالي الدار البيضاء على مدينتهم التي لا زالت حتى يومنا هذا تحتفظ بشوارعها ومبانيها العتيقة التي يعود تاريخها الى الدولة العلوية.
تزدهر كازبلانكا في موسم الصيف وهي تستقبل ضيوفها من السياح العرب والأجانب .. يصلها القادمون عبر مطار محمد الخامس، أكبر موانىء افريقيا الجوية، والذى يبعد عن مركز المدينة مسافة تقطعها السيارة في ساعة واحدة، وأقل من ذلك بالقطار السريع الذي يربط جنوب المغرب بشماله، تشتهر المدينة بمطاعمها التي تقدم أسماك القريدس المشوية والمقلية منها، وبمأكولاتها البحرية اللاذعة المذاق، وبحسناواتها الجميلات سلالة العرب والأمازيغ.
1 comment:
جزء رااائع بروعة كاتبه وصوره ومعلوماته الدقيقة بصراحة ماتوقعت ابطاليا فيها هذا الجمال..ولو انه مايقارن بسويسرا..بس ما ادري ليه احس ايطاليا مختلفة كثير عن باقي اوربا واستغرب اكثر من المشاهير والفنانين الكبار اللي اعجبو فيها مع وجوود الاجمل والارتب والانظم اعتقد تمتلك سحر بنكهة ايطالية فريدة وارجع اسجل اعجابي الشديد بمعايير اختيار السكن..لانها نفس معاييري يعطيك الف عافية ومنتظرين جديدك
Post a Comment