المواطنون تحت رحمة الانقطاع العشوائي للكهرباء
http://alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/ContentID/16467/Default.aspx
الخرطوم: محمد كشان
استبشر المواطنون خيرا بعد اعلان الهيئة القومية للكهرباء استقرار امداد التيار الكهربائى، وعدم وجود قطوعات نهائيا خلال شهر رمضان الحالي، لكن وقبل أن يمضي علي بداية الشهر الكريم ساعات حتى تفاجأ الناس بتضاعف القطوعات وبصورة متكررة وعشوائية حسب افادات المواطنين الذين استطلعتهم (الأحداث) خلال جولة لها في بعض أحياء العاصمة.
وحسب ما جاء في الافادات فأن قطوعات الكهرباء لم تستثني أحدا، وحتي في المناطق التي شهدت استقرارا نسبيا في امداد الكهرباء، كانت القطوعات مبرمجة ليوم في الاسبوع وفي بعض المناطق يومان، تغيب عنها الكهرباء منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الخامسة بعد الظهر.
وكان المدير العام للهيئة القومية للكهرباء المهندس مكاوى محمد عوض بشر المواطنين باستقرار التيار الكهربائي طيلة شهر رمضان، مناشدا المؤسسات الحكومية بترشيد الاستهلاك خلال ساعات العمل الرسمية.
لكن الأستطلاعات التي أجرتها (الأحداث) أكدت على وجود قطوعات مبرمجة وغير مبرمجة (عشوائية) ، وخلال فترات مختلفة ليلاً ونهارا، الأمر الذي دفع بعدد من المواطنين للتفكير بجدية في الاستغناء عن خدمات الهيئة القومية للكهرباء والاعتماد عي المولدات الكهربائية، خاصة ان المواطن في كل الحالات يدفع لشراء الكهرباء او المولدات.
وطالت القطوعات المتكررة والمتذبذبة أحياء ام درمان والثورات والعباسية وسوق ام درمان والسوق الشعبي والفتيحاب والمربعات، وفي الخرطوم والخرطوم بحري وأحياء الكلاكلات والشجرة والعزوزاب والحلة الجديدة وجبرة والصحافة والحاج يوسف.
واشتكي المواطنون في هذه الاحياء بانهم أصبحوا (تحت رحمة) ادارة الكهرباء، فلا يستطيع احد ان يبدأ عمل ما، أو مشاهدة التلفاز أو غيره دون ان يضع في حسابه انقطاع التيار الكهرباء في اى لحظة.
وحتي نحن في هذه الصحيفة وغيرها من الصحف والمؤسسات التي تعتمد في عملها على أجهزة الكمبيوتر نتأثر كثيرا بقطوعات الكهرباء، ولولا امتلاك هذه المؤسسات لمولدات كهربائية لتعطل عملها تماما، لكن الضرر يلحق بأجهزة الكمبيوتر جراء هذه القطوعات المتكررة والعشوائية، وعند عودة التيار الكهربائي كثيرا ما نفاجأ بضياع نظام التشغيل، وبالتالي ضياع كل ما يحتويه جهاز الكمبيوتر من ملفات وصور ومواد ارشيفية يرجع تأريخها لسنوات، وتضيع في ثانية من الزمن.
قطوعات عشوائية
يؤكد الاستاذ أحمد بشير أحمد (للأحداث) وهو محامي يسكن أم بدة الحارة الثانية انه بالفعل أشترى مولدا كهربائيا منذ بداية هذا الشهر ولم يعد يُعير الكهرباء العامة اهتماما سواء ان (جات ولا ما جات) وحسب تعبيره (كهربتو بقت في يدو). ولم ينكر أحمد استخدامه للكهرباء العامة، لكنه قال انه يعتمد كثيرا على كهرباء مُولده الخاص به، وآخر مرة اشتري كهرباء الدفع المقدم كانت قبل شهر ونصف.
اما المهندس وليد عبدالله محمد وهو من سكان بري فقال ان قطوعات الكهرباء أصبحت يومية وبصورة مزعجة وتدفع بالمواطن الى السب واللعن في هذا الشهر الكريم، والثلاثاء الماضي انقطع التيار الكهربائي عن منطقة سكنه منذ الساعة العاشرة صباحا ولم يُعد حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، لينقطع بعد نصف ساعة فقط ليعود بعد 3 ساعات، وفي اليوم التالي انقطع الامداد الكهربائي ايضا في الفترة المسائية لمدة تجاوزت الساعتين.
ويحكي وليد انه ذهب الثلاثاء نفسه لتلبية دعوة للافطار في الكلاكلة القبة، حيث تكثر دعوات الافطار في هذا الشهر المعظم، ويضيف وليد ما أن حانت ساعة الافطار وبدأ الموجودين بتناول حبات التمر حتي انقطع التيار عن المنطقة باكملها، ولم يرجع حتي صلاة التروايح.
اما في منطقة الكلاكلة أبوآدم فهناك وجه آخر للمعاناة، فهذه الكلاكلة تعاني من القطوعات المستمرة للكهرباء طيلة حولين كاملين، وحسب المواطن مرتضى ابراهيم فان المنطقة ظلت طيلة العامين الماضيين تعاني من قطوعات مستمرة للكهرباء، وازدادت هذه القطوعات خلال شهر رمضان الحالي، وينقطع التيار الكهربائي منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة أو السادسة بعد الظهر !!. وأحيانا يتم القطع في أثناء ساعات الليل ويطال الانقطاع المدراس والمراكز الصحية والمساجد وبالطبع البيوت السكنية.
كهرباء الجحيم
أما في منطقة ام بدة فقطوعات الكهرباء تجاوزت حدا لا يطاق حسب تصريحات الأهالي الذين استطلعتهم (الأحداث). وقالت علوية جار النبي وهي معلمة في مرحلة الأساس ان قطوعات الكهرباء في منطقتها (الحارة الأولي) اصبحت كابوسا مرعبا ومزعجا أحال حياتها هي وابنها الي "حجيم" . وتضيف علوية انها لم تعد قادرة علي الثقة في مؤسسة حيوية وهامة كالهيئة العامة للكهرباء، فأبنها مصاب بامراض الربو الشعبي (الأزمة) والسكري، ولا يستطيع ان يعيش من غير تهوية جيدة، والادوية التي يستعملها لا تستطيع أن تصمد امام لهيب هذا الصيف الحار، هذا غير فساد الأطعمة واللحوم، وتوقف الثلاجات نتيجة لتذبذب التيار الكهربائي وانقطاعه وعودته لاكثر بصورة مزعجة ومتكررة، ما زاد من الأعباء المعيشية لهذه الاسرة من طبخ وشراء للخضروات بشكل يومي.
العترة بتصلح المشية
المواطن محمد دهب وهو صاحب ثلاجة فواكه بالسوق الشعبي أم درمان فقال انه أسس منذ شهرين ثلاجة حديثة لحفظ الفواكه بمواصفات عالمية، ولم يضع في حسبانه هذا الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وبلغت خسارته الاسبوع الماضي 5 مليون جنيه، عبارة عن فواكه لا تحتمل انقطاع الكهرباء، وجدت طريقها الي الزبالة، ما تسبب في هذه الخسارة، ولكن دهب يقول (العترة بتصلح المشية)، واشتري دهب مولدا كهربائيا بمبلغ 4 مليون جنيه، هذا غير ما ينفقه على المُولد يوميا من الوقود.
ويرى بعض المواطنين في أحياء الخرطوم الشعبية ان الهيئة القومية للكهرباء تمايز بينهم وآخرين في الامداد الكهربائي، وبينما تشهد بعض أحياء الخرطوم استقرارا نسبيا في الامداد، تعاني مناطق اخري من القطوعات المتكررة واليومية، بالرغم من ان المناطق الشعبية كالفتيحاب والحاج يوسف وام بدة تستهلك معدلا اقل من الكهرباء، وحسب استبيان عشوائي قامت به (الأحداث) بين كل 10 أُسر في منطقة الفتيحاب مربع 3، توجد أُسرتان فقط تستخدم مكيفات الهواء، و4 أُسر تستخدم المكواة الكهربائية بشكل يومي، بينما ارتفعت النسبة الي 100% في حي الرياض الراقي وسط الخرطوم.
حقوق الانسان أولاً
يصف الناشط في حقوق الانسان د.محمد حمزة ما تقوم به الهيئة القومية للكهرباء من قطوعات متكررة ومزعجة وعشوائية بانه امتهان لكرامة الانسان وادميته، ويطالب حمزة هيئة الكهرباء باحترام الانسان السوداني وانتهاج طريقة حضارية، اما بتوفير الكهرباء، أو ابلاغه عبر الصحف اليومية بوجود قطوعات مبرمجة حتي يهيئ نفسه لهذه القطوعات أو يبحث عن بديل للكهرباء العامة، ويتفق حمزة مع القطوعات المبررة للتيار الكهربائي والتي تتسبب فيها عوامل الطبيعة والأمطار، وان كان هذا يدل علي قصور في البنية التحتية للتنمية المتمثلة في تشييد خطوط وابراج كهرباء تتحمل الظروف الطبيعية.
ويشير حمزة الى ان الكهرباء من الخدمات التى يجب ان تقدمها الدولة لشعبها، واذا لم تستطع دولة ما تقديم خدمة أساسية كالكهرباء، فتدخل في تصنيف الدول الفاشلة، وهي الدولة الغير قادرة علي توفير الحماية والرفاهية لشعبها.
المُولدات .. الحل المؤقت
اتجهت عدد من المؤسسات والمستشفيات والمراكز التجارية والمدارس لامتلاك مُولد كهربائي ذو طاقة تشغيلية عالية تغطي حاجة المؤسسة من الاستهلاك اليومي للكهرباء أثناء انقطاعها، وكانت ظاهرة المُولدات تنتشر فقط في المجمعات والوحدات السكنية الراقية، والشركات الكبيرة ، لكنها وجدت طريقها لاحياء المدن الشعبية وأسواقها، وذلك لانخفاض أسعارها ، ودخول المولدات الصينية الي سوق المنافسة، وأصبح في مقدور الأسر متوسطة الدخل اقتناء مُولد كهربائي (جنريتر) بأقل تكلفة، وبات من الشائع سماع أصوات هذه المُولدات وهي تدور في الاحياء والاسواق الشعبية والطرفية.
يقول علي بابكر يوسف مدير أعمال محمد الصادق الشريف المليح لتجارة مُولدات الكهرباء في ام درمان، أن دخول المُولدات الصينية الي الأسواق أسهم كثيرا في خفض أسعارها، وجعل الناس تُقبل على شرائها خاصة بعد القطوعات المتواصلة هذه الايام ، ويوجد نوعان من هذه المُولدات، الأول ذات تبريد هوائي ، والآخر تبريد مائي، ويصل سعر المُولد الصغير (6 حصان) الي 200 الف جنيه (بالقديم). ويشير علي بابكر الى ان هذا النوع من المُولدات يستطيع ان يعمل لـ 6 ساعات متواصلة، ويمكنه تشغيل لمبات الاضاءة والمرواح وثلاجة صغيرة ، اما المولد سعة 8 حصان فيمكنه تشغيل ثلاجة وتلفزيون ومكيف ماء صغير ويصل سعره الي حوالي 600 الف، ويشير بابكر الي أن هذا النوع من المولدات يمكن أن يُوضع علي البلكونة أو خارج الغرفة دون أن يسمع له صوت.
وعن زبائنه يقول بابكر ان معظمهم من مناطق الاسواق في الخرطوم وأم درمان، والريف الشمالي والجموعية، ويلاحظ علي بابكر اقبال مواطنين من العاصمة لشراء المولدات الصغيرة، لأن سعرها قليل واسبيراتها متوفرة وأعطالها قليلة، ويحتاج فقط للمتابعة وعدم استخدامه لساعات طوال بصورة متواصلة.
اما عادل عبدالله من أعمال البرعي لبيع الاسبيرات والمُولدات فيقول ان معظم المؤسسات الصغيرة والعمارات السكنية اتجهت اخيرا لشراء المُولدات الكبيرة كاتمة الصوت، ويستطيع هذا النوع ان يغطي كافة الاستخدامات اليومية للكهرباء وأسعاره في متناول الجميع.
وعن المولدات الصغيرة يقول عادل ان المُولد يستهلك 1 جالون وقود ليعمل فترة 6 ساعات متواصلة خلال اليوم، لكن يُفضل عادل تشغيله بين 4 – 6 ساعات متواصلة، مع الصيانة الدورية لحمايته من الأعطال والتوقف، اما مولد التبريد المائي فيعمل بكفاءة طيلة 24 ساعة ويستطيع ان يغطي كل حاجة المنزل من الاستهلاك الكهربائي ومن عيوبه علو الصوت.
كهرباء صديقة للبيئة
لكن خبير بيئي استطلعته (الأحداث) عن تأثير استخدام المُولدات علي البيئة قال ان الدخان والحرارة المتصاعدة من هذه المُولدات يمكن ان تتسبب في ظاهرة احتباس حراري اذا لجأ كل الناس الي استعمال المُولدات بصورة يومية ، واشار الهادي نور الدين الى ان هناك بعض الحلول ابتكرها الناس للتقليل من انبعاثات الغازات والدخان تتمثل في ابعاد المُولد عن موقع السكن ، او تغطية العادم لمنع الدخان، أو وضعه داخل حفرة علي الأرض لتقليل الصوت ومنع انتشار الدخان.
وينادي الهادي بأهمية توفير الطاقة الكهربائية من مساقط المياه والسدود باعتبارها كهرباء آمنة ونظيفة، عكس الكهرباء التي يتم توليدها من محطات الديزل الحرارية الكبيرة.
هروب صغار المستثمرين
يبين مسلسل قطوعات الكهرباء وجها آخر للمأساة يحكيها لنا هنا مستثمر مصري اسمه لطفي، وهذا المستثمر جاء الي السودان بعد ان سمع بأن (ربنا فتحها علي السودانيين) ولكنه فوجئ بآخرون يحولون بينهم، وهذا الفتح الكريم.
أنشأ لطفي مصنعا صغيرا لتقطيع الرخام ومعالجته، ويقع هذا المصنع في منطقة سوبا بالخرطوم، وكان لزاما عليه استخدام الكهرباء العامة، لان معدات تقطيع الرخام تستهلك قدرا أعلي من الكهرباء، لكن قطوعات الكهرباء المتكررة أفلست شقيقنا المصري لطفي، ويفكر الان بالبحث عن مكان آخر لينقل له المصنع أو مغادرة السودان لانه كما يقول "في مصر كل دقيقة بثمنها" ولا يستطيع ان يهدر مزيدا من الوقت علي السراب !!.
ومعلوم ان الكهرباء واستقرارها تعد مؤشرا قويا من مؤشرات التنمية والجذب الاستثماري، ويعول القطاع الصناعي كثيرا علي دخول كهرباء سد مروي للشبكة القومية بحلول أكتوبر 2008 ، اذ ان مشروع كهرباء سد مروي سينتج 1200 ميقاواط ، وبحلول 2012 سيتضاعف انتاج مشروع كهرباء الروصيرص الي مقدار 50% من الطاقة المُنتجة حاليا بعد الانتهاء من مشروع تعلية الخزان ، ولكن حتي تلك السنوات ما هي الحلول المناسبة التي ستتبعها الهيئة القومية لكهرباء لسد العجز في التوليد، وتلافي أعطال الخطوط الناقلة للكهرباء !!؟ هل ستفتح الدولة باب الاستثمار في الكهرباء وفك احتكارها، أم ان الكهرباء خط ضغط عالي غير قابل للتفاوض وطرحه للشركات المستثمرة !!؟ ، لماذا لا تكون هناك أكثر من شركة كهرباء مثلما هناك أكثر من شركة اتصالات، وأكثر من شركة نفط !!؟ ولماذا لا تفعل الحكومة مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان الذى أعلنته مصر ضمن مشروع استثمار الطاقة بين دول حوض النيل !!
الشكية لغير الله مزلة
قابلت الأثنين الماضي عند مدخل هذه الصحيفة مواطنا سودانيا جاء يشتكي من القطوعات المتكررة للكهرباء وقال لى (الكهرباء دي نحن بنشتريها بقروشنا وبرضو ما لاقينها) .. هذا المواطن يمتلك ورشة حدادة في منطقة حلة كوكو وحسب قوله ان تذبذب امداد التيار الكهربائي وانقطاعه تسبب في خسارة فادحة وتحول هذا المواطن الصالح الي عاطل في فترات النهار ، وعامل في الليل، اذ يبدأ عمله بالورشة من الساعة 12 ليلا وحتى الساعات الأولي من الصباح ، بعد أن يضمن استقرار التيار الكهربائي، قال لي هذا المواطن: (يعني نحن نشتكي لي منو) فقلت له: الشكية لغير الله مزلة، واذا أردت أن تزل نفسك فاذهب واشتكي، ربما تجد اذانا صاغية، وربما لا .. المهم اذهب واشتكي .. الحكومة يشتكونها في المحامي العام، أو ربما المحكمة الدستورية .. المهم أذهب ولا تيأس، قال لي (انا جيت أشتكي لجريدتكم دي) .. قلت له هذا ليس محل شكاوى، لكن لا عليك ، انا وانت سنشتكي ، اذهب انت واشتكي أولا ربما تجد لك اذانا صاغية !!.
استبشر المواطنون خيرا بعد اعلان الهيئة القومية للكهرباء استقرار امداد التيار الكهربائى، وعدم وجود قطوعات نهائيا خلال شهر رمضان الحالي، لكن وقبل أن يمضي علي بداية الشهر الكريم ساعات حتى تفاجأ الناس بتضاعف القطوعات وبصورة متكررة وعشوائية حسب افادات المواطنين الذين استطلعتهم (الأحداث) خلال جولة لها في بعض أحياء العاصمة.
وحسب ما جاء في الافادات فأن قطوعات الكهرباء لم تستثني أحدا، وحتي في المناطق التي شهدت استقرارا نسبيا في امداد الكهرباء، كانت القطوعات مبرمجة ليوم في الاسبوع وفي بعض المناطق يومان، تغيب عنها الكهرباء منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الخامسة بعد الظهر.
وكان المدير العام للهيئة القومية للكهرباء المهندس مكاوى محمد عوض بشر المواطنين باستقرار التيار الكهربائي طيلة شهر رمضان، مناشدا المؤسسات الحكومية بترشيد الاستهلاك خلال ساعات العمل الرسمية.
لكن الأستطلاعات التي أجرتها (الأحداث) أكدت على وجود قطوعات مبرمجة وغير مبرمجة (عشوائية) ، وخلال فترات مختلفة ليلاً ونهارا، الأمر الذي دفع بعدد من المواطنين للتفكير بجدية في الاستغناء عن خدمات الهيئة القومية للكهرباء والاعتماد عي المولدات الكهربائية، خاصة ان المواطن في كل الحالات يدفع لشراء الكهرباء او المولدات.
وطالت القطوعات المتكررة والمتذبذبة أحياء ام درمان والثورات والعباسية وسوق ام درمان والسوق الشعبي والفتيحاب والمربعات، وفي الخرطوم والخرطوم بحري وأحياء الكلاكلات والشجرة والعزوزاب والحلة الجديدة وجبرة والصحافة والحاج يوسف.
واشتكي المواطنون في هذه الاحياء بانهم أصبحوا (تحت رحمة) ادارة الكهرباء، فلا يستطيع احد ان يبدأ عمل ما، أو مشاهدة التلفاز أو غيره دون ان يضع في حسابه انقطاع التيار الكهرباء في اى لحظة.
وحتي نحن في هذه الصحيفة وغيرها من الصحف والمؤسسات التي تعتمد في عملها على أجهزة الكمبيوتر نتأثر كثيرا بقطوعات الكهرباء، ولولا امتلاك هذه المؤسسات لمولدات كهربائية لتعطل عملها تماما، لكن الضرر يلحق بأجهزة الكمبيوتر جراء هذه القطوعات المتكررة والعشوائية، وعند عودة التيار الكهربائي كثيرا ما نفاجأ بضياع نظام التشغيل، وبالتالي ضياع كل ما يحتويه جهاز الكمبيوتر من ملفات وصور ومواد ارشيفية يرجع تأريخها لسنوات، وتضيع في ثانية من الزمن.
قطوعات عشوائية
يؤكد الاستاذ أحمد بشير أحمد (للأحداث) وهو محامي يسكن أم بدة الحارة الثانية انه بالفعل أشترى مولدا كهربائيا منذ بداية هذا الشهر ولم يعد يُعير الكهرباء العامة اهتماما سواء ان (جات ولا ما جات) وحسب تعبيره (كهربتو بقت في يدو). ولم ينكر أحمد استخدامه للكهرباء العامة، لكنه قال انه يعتمد كثيرا على كهرباء مُولده الخاص به، وآخر مرة اشتري كهرباء الدفع المقدم كانت قبل شهر ونصف.
اما المهندس وليد عبدالله محمد وهو من سكان بري فقال ان قطوعات الكهرباء أصبحت يومية وبصورة مزعجة وتدفع بالمواطن الى السب واللعن في هذا الشهر الكريم، والثلاثاء الماضي انقطع التيار الكهربائي عن منطقة سكنه منذ الساعة العاشرة صباحا ولم يُعد حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، لينقطع بعد نصف ساعة فقط ليعود بعد 3 ساعات، وفي اليوم التالي انقطع الامداد الكهربائي ايضا في الفترة المسائية لمدة تجاوزت الساعتين.
ويحكي وليد انه ذهب الثلاثاء نفسه لتلبية دعوة للافطار في الكلاكلة القبة، حيث تكثر دعوات الافطار في هذا الشهر المعظم، ويضيف وليد ما أن حانت ساعة الافطار وبدأ الموجودين بتناول حبات التمر حتي انقطع التيار عن المنطقة باكملها، ولم يرجع حتي صلاة التروايح.
اما في منطقة الكلاكلة أبوآدم فهناك وجه آخر للمعاناة، فهذه الكلاكلة تعاني من القطوعات المستمرة للكهرباء طيلة حولين كاملين، وحسب المواطن مرتضى ابراهيم فان المنطقة ظلت طيلة العامين الماضيين تعاني من قطوعات مستمرة للكهرباء، وازدادت هذه القطوعات خلال شهر رمضان الحالي، وينقطع التيار الكهربائي منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة أو السادسة بعد الظهر !!. وأحيانا يتم القطع في أثناء ساعات الليل ويطال الانقطاع المدراس والمراكز الصحية والمساجد وبالطبع البيوت السكنية.
كهرباء الجحيم
أما في منطقة ام بدة فقطوعات الكهرباء تجاوزت حدا لا يطاق حسب تصريحات الأهالي الذين استطلعتهم (الأحداث). وقالت علوية جار النبي وهي معلمة في مرحلة الأساس ان قطوعات الكهرباء في منطقتها (الحارة الأولي) اصبحت كابوسا مرعبا ومزعجا أحال حياتها هي وابنها الي "حجيم" . وتضيف علوية انها لم تعد قادرة علي الثقة في مؤسسة حيوية وهامة كالهيئة العامة للكهرباء، فأبنها مصاب بامراض الربو الشعبي (الأزمة) والسكري، ولا يستطيع ان يعيش من غير تهوية جيدة، والادوية التي يستعملها لا تستطيع أن تصمد امام لهيب هذا الصيف الحار، هذا غير فساد الأطعمة واللحوم، وتوقف الثلاجات نتيجة لتذبذب التيار الكهربائي وانقطاعه وعودته لاكثر بصورة مزعجة ومتكررة، ما زاد من الأعباء المعيشية لهذه الاسرة من طبخ وشراء للخضروات بشكل يومي.
العترة بتصلح المشية
المواطن محمد دهب وهو صاحب ثلاجة فواكه بالسوق الشعبي أم درمان فقال انه أسس منذ شهرين ثلاجة حديثة لحفظ الفواكه بمواصفات عالمية، ولم يضع في حسبانه هذا الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وبلغت خسارته الاسبوع الماضي 5 مليون جنيه، عبارة عن فواكه لا تحتمل انقطاع الكهرباء، وجدت طريقها الي الزبالة، ما تسبب في هذه الخسارة، ولكن دهب يقول (العترة بتصلح المشية)، واشتري دهب مولدا كهربائيا بمبلغ 4 مليون جنيه، هذا غير ما ينفقه على المُولد يوميا من الوقود.
ويرى بعض المواطنين في أحياء الخرطوم الشعبية ان الهيئة القومية للكهرباء تمايز بينهم وآخرين في الامداد الكهربائي، وبينما تشهد بعض أحياء الخرطوم استقرارا نسبيا في الامداد، تعاني مناطق اخري من القطوعات المتكررة واليومية، بالرغم من ان المناطق الشعبية كالفتيحاب والحاج يوسف وام بدة تستهلك معدلا اقل من الكهرباء، وحسب استبيان عشوائي قامت به (الأحداث) بين كل 10 أُسر في منطقة الفتيحاب مربع 3، توجد أُسرتان فقط تستخدم مكيفات الهواء، و4 أُسر تستخدم المكواة الكهربائية بشكل يومي، بينما ارتفعت النسبة الي 100% في حي الرياض الراقي وسط الخرطوم.
حقوق الانسان أولاً
يصف الناشط في حقوق الانسان د.محمد حمزة ما تقوم به الهيئة القومية للكهرباء من قطوعات متكررة ومزعجة وعشوائية بانه امتهان لكرامة الانسان وادميته، ويطالب حمزة هيئة الكهرباء باحترام الانسان السوداني وانتهاج طريقة حضارية، اما بتوفير الكهرباء، أو ابلاغه عبر الصحف اليومية بوجود قطوعات مبرمجة حتي يهيئ نفسه لهذه القطوعات أو يبحث عن بديل للكهرباء العامة، ويتفق حمزة مع القطوعات المبررة للتيار الكهربائي والتي تتسبب فيها عوامل الطبيعة والأمطار، وان كان هذا يدل علي قصور في البنية التحتية للتنمية المتمثلة في تشييد خطوط وابراج كهرباء تتحمل الظروف الطبيعية.
ويشير حمزة الى ان الكهرباء من الخدمات التى يجب ان تقدمها الدولة لشعبها، واذا لم تستطع دولة ما تقديم خدمة أساسية كالكهرباء، فتدخل في تصنيف الدول الفاشلة، وهي الدولة الغير قادرة علي توفير الحماية والرفاهية لشعبها.
المُولدات .. الحل المؤقت
اتجهت عدد من المؤسسات والمستشفيات والمراكز التجارية والمدارس لامتلاك مُولد كهربائي ذو طاقة تشغيلية عالية تغطي حاجة المؤسسة من الاستهلاك اليومي للكهرباء أثناء انقطاعها، وكانت ظاهرة المُولدات تنتشر فقط في المجمعات والوحدات السكنية الراقية، والشركات الكبيرة ، لكنها وجدت طريقها لاحياء المدن الشعبية وأسواقها، وذلك لانخفاض أسعارها ، ودخول المولدات الصينية الي سوق المنافسة، وأصبح في مقدور الأسر متوسطة الدخل اقتناء مُولد كهربائي (جنريتر) بأقل تكلفة، وبات من الشائع سماع أصوات هذه المُولدات وهي تدور في الاحياء والاسواق الشعبية والطرفية.
يقول علي بابكر يوسف مدير أعمال محمد الصادق الشريف المليح لتجارة مُولدات الكهرباء في ام درمان، أن دخول المُولدات الصينية الي الأسواق أسهم كثيرا في خفض أسعارها، وجعل الناس تُقبل على شرائها خاصة بعد القطوعات المتواصلة هذه الايام ، ويوجد نوعان من هذه المُولدات، الأول ذات تبريد هوائي ، والآخر تبريد مائي، ويصل سعر المُولد الصغير (6 حصان) الي 200 الف جنيه (بالقديم). ويشير علي بابكر الى ان هذا النوع من المُولدات يستطيع ان يعمل لـ 6 ساعات متواصلة، ويمكنه تشغيل لمبات الاضاءة والمرواح وثلاجة صغيرة ، اما المولد سعة 8 حصان فيمكنه تشغيل ثلاجة وتلفزيون ومكيف ماء صغير ويصل سعره الي حوالي 600 الف، ويشير بابكر الي أن هذا النوع من المولدات يمكن أن يُوضع علي البلكونة أو خارج الغرفة دون أن يسمع له صوت.
وعن زبائنه يقول بابكر ان معظمهم من مناطق الاسواق في الخرطوم وأم درمان، والريف الشمالي والجموعية، ويلاحظ علي بابكر اقبال مواطنين من العاصمة لشراء المولدات الصغيرة، لأن سعرها قليل واسبيراتها متوفرة وأعطالها قليلة، ويحتاج فقط للمتابعة وعدم استخدامه لساعات طوال بصورة متواصلة.
اما عادل عبدالله من أعمال البرعي لبيع الاسبيرات والمُولدات فيقول ان معظم المؤسسات الصغيرة والعمارات السكنية اتجهت اخيرا لشراء المُولدات الكبيرة كاتمة الصوت، ويستطيع هذا النوع ان يغطي كافة الاستخدامات اليومية للكهرباء وأسعاره في متناول الجميع.
وعن المولدات الصغيرة يقول عادل ان المُولد يستهلك 1 جالون وقود ليعمل فترة 6 ساعات متواصلة خلال اليوم، لكن يُفضل عادل تشغيله بين 4 – 6 ساعات متواصلة، مع الصيانة الدورية لحمايته من الأعطال والتوقف، اما مولد التبريد المائي فيعمل بكفاءة طيلة 24 ساعة ويستطيع ان يغطي كل حاجة المنزل من الاستهلاك الكهربائي ومن عيوبه علو الصوت.
كهرباء صديقة للبيئة
لكن خبير بيئي استطلعته (الأحداث) عن تأثير استخدام المُولدات علي البيئة قال ان الدخان والحرارة المتصاعدة من هذه المُولدات يمكن ان تتسبب في ظاهرة احتباس حراري اذا لجأ كل الناس الي استعمال المُولدات بصورة يومية ، واشار الهادي نور الدين الى ان هناك بعض الحلول ابتكرها الناس للتقليل من انبعاثات الغازات والدخان تتمثل في ابعاد المُولد عن موقع السكن ، او تغطية العادم لمنع الدخان، أو وضعه داخل حفرة علي الأرض لتقليل الصوت ومنع انتشار الدخان.
وينادي الهادي بأهمية توفير الطاقة الكهربائية من مساقط المياه والسدود باعتبارها كهرباء آمنة ونظيفة، عكس الكهرباء التي يتم توليدها من محطات الديزل الحرارية الكبيرة.
هروب صغار المستثمرين
يبين مسلسل قطوعات الكهرباء وجها آخر للمأساة يحكيها لنا هنا مستثمر مصري اسمه لطفي، وهذا المستثمر جاء الي السودان بعد ان سمع بأن (ربنا فتحها علي السودانيين) ولكنه فوجئ بآخرون يحولون بينهم، وهذا الفتح الكريم.
أنشأ لطفي مصنعا صغيرا لتقطيع الرخام ومعالجته، ويقع هذا المصنع في منطقة سوبا بالخرطوم، وكان لزاما عليه استخدام الكهرباء العامة، لان معدات تقطيع الرخام تستهلك قدرا أعلي من الكهرباء، لكن قطوعات الكهرباء المتكررة أفلست شقيقنا المصري لطفي، ويفكر الان بالبحث عن مكان آخر لينقل له المصنع أو مغادرة السودان لانه كما يقول "في مصر كل دقيقة بثمنها" ولا يستطيع ان يهدر مزيدا من الوقت علي السراب !!.
ومعلوم ان الكهرباء واستقرارها تعد مؤشرا قويا من مؤشرات التنمية والجذب الاستثماري، ويعول القطاع الصناعي كثيرا علي دخول كهرباء سد مروي للشبكة القومية بحلول أكتوبر 2008 ، اذ ان مشروع كهرباء سد مروي سينتج 1200 ميقاواط ، وبحلول 2012 سيتضاعف انتاج مشروع كهرباء الروصيرص الي مقدار 50% من الطاقة المُنتجة حاليا بعد الانتهاء من مشروع تعلية الخزان ، ولكن حتي تلك السنوات ما هي الحلول المناسبة التي ستتبعها الهيئة القومية لكهرباء لسد العجز في التوليد، وتلافي أعطال الخطوط الناقلة للكهرباء !!؟ هل ستفتح الدولة باب الاستثمار في الكهرباء وفك احتكارها، أم ان الكهرباء خط ضغط عالي غير قابل للتفاوض وطرحه للشركات المستثمرة !!؟ ، لماذا لا تكون هناك أكثر من شركة كهرباء مثلما هناك أكثر من شركة اتصالات، وأكثر من شركة نفط !!؟ ولماذا لا تفعل الحكومة مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان الذى أعلنته مصر ضمن مشروع استثمار الطاقة بين دول حوض النيل !!
الشكية لغير الله مزلة
قابلت الأثنين الماضي عند مدخل هذه الصحيفة مواطنا سودانيا جاء يشتكي من القطوعات المتكررة للكهرباء وقال لى (الكهرباء دي نحن بنشتريها بقروشنا وبرضو ما لاقينها) .. هذا المواطن يمتلك ورشة حدادة في منطقة حلة كوكو وحسب قوله ان تذبذب امداد التيار الكهربائي وانقطاعه تسبب في خسارة فادحة وتحول هذا المواطن الصالح الي عاطل في فترات النهار ، وعامل في الليل، اذ يبدأ عمله بالورشة من الساعة 12 ليلا وحتى الساعات الأولي من الصباح ، بعد أن يضمن استقرار التيار الكهربائي، قال لي هذا المواطن: (يعني نحن نشتكي لي منو) فقلت له: الشكية لغير الله مزلة، واذا أردت أن تزل نفسك فاذهب واشتكي، ربما تجد اذانا صاغية، وربما لا .. المهم اذهب واشتكي .. الحكومة يشتكونها في المحامي العام، أو ربما المحكمة الدستورية .. المهم أذهب ولا تيأس، قال لي (انا جيت أشتكي لجريدتكم دي) .. قلت له هذا ليس محل شكاوى، لكن لا عليك ، انا وانت سنشتكي ، اذهب انت واشتكي أولا ربما تجد لك اذانا صاغية !!.
1 comment:
مرحبا ، انا احب بلوق.
فقط أكتب ما يمكن ان يترجم.
أ الحضنه من البرتغال
Hellow, I like this blog.
Sorry not write more, but my English is not good.
A hug from Portugal
Post a Comment